ما الغاية من خلق الإنسان

ما الغاية من خلق الإنسان؟ وما هو دوره في الحياة؟ تصنف تلك الأسئلة ضمن فئة الأسئلة الوجودية، التي يؤدي بعض منها إلى اتخاذ الشخص لمدارك ومسالك أخرى في الحياة بحثًا عن إجابات شافية ومقنعة لها، لذلك سوف نجيب عنها بكل تفصيل ودقة وبكل دليل واقفعي وحقيقي عليها من خلال موقع جربها.

ما الغاية من خلق الإنسان

قد يتساءل البعض ما الغاية من خلق الإنسان على الأرض أو خلقه بوجه عام، ولكن الله أجاب عن ذلك السؤال منذ أن أنزل على عبده محمدًا صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم منذ ما يقرب من ألف وخمسمائة عام، وأوضح السبب الرئيسي من خلقه للإنسان منذ الأساس.
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة، الآية رقم 30]
تشير تلك الآية وبوضوح إلى أن الله تعالى قد خلق الكون بأكمله ثم خلق الإنسان للمرة الأولى من صلصال من طين، وكان آنذاك لا يوجد في الكون سوى الملائكة ومعهم إبليس الذي كان يومًا أحد الملائكة، فخاب وخسر لأنه كان المستكبرين.

أما فيما يخص ما الغاية من خلق الإنسان على الأرض، ففي الحقيقة لقد تعددت الأغراض والأسباب والمدارك التي عمد الله من أجلها إلى خلق الإنسان وإسكانه كوكب الأرض، ويمكن تلخيص بعد تلك الأهداف والأسباب فيما يلي:

1- تعمير الأرض

إن الله حينما خلق الإنسان خلقه لكي يعمر تلك الأرض وهذا الكون، الذي خلقه كله من أجله وذلل قواه بالكامل، لكي تكون تحت إمرة وتصرف الإنسان تجيب له ما يريد وينتفع منها بقدر ما شاء، فكان الإنسان هو مكتشف الزراعة وهو الذي اكتشف علم الكتابة ووضعه.

كما نجد أن الإنسان هو الذي اخترع كل أداة عرفتها العصور الأولى من الحياة على هذه الأرض، وهو الذي أبدع بعقله وفكره وخياله في كل شيء حتى استطاع أن يذلل قوى الطبيعة لنفسه، فاستغل كل شيء فيها لكي تصب حياته أكثر سهولة.

إلى جانب أن الإنسان هو الذي طور من نفسه وطور من عقليته وكانت نظرته أكثر اتساعًا وأبعد مدى وأوسع شمولية، فبدلًا من الكتابة على الألواح والحجارة والبردي في يوم من الأيام، استطاع اليوم أن يكتب على ألواح ذكية تعمل باللمس وبالصوت وبالإشارة دون جهد منه.

نأتي بعد ذلك إلى مسألة هامة تندرج تحت الإجابة عن سؤال ما الغاية من خلق الإنسان، إلا وهي حفظ النسل البشري ونسل آدم على هذه الأرض، فالله حينما خلق آدم كرجل خلق منه حواء لتكون امرأته، فتزوجا وأنجبنا نسلًا منهما، وامتد النسل بزواج أبنائهم وتكاثر نسلهم وزيادة عدد ذراريهم لكي يملئوا الأرض بالبشر من كل جنس وصنف ولون.

اقرأ أيضًا: حكم وأقوال العلماء والفلاسفة

2- عبادة الله

نأتي إلى أهم إجابة من الأجوبة المتعددة عن سؤال ما الغاية من خلق الإنسان، إن الهدف الرئيسي الذي خلق الله الإنسان لأجله هو الإخلاص له في العبادة، والإيمان به كإله واحد لا شريك له، لا يرد له كلمة ولا يعصي له أمرًا.

حتى وإن أخطأ وعصاه جعل العلاقة بينهما متاحة وسلسة، بإمكانه الرجوع إلى الله والتوبة إليه واستغفاره ليغفر له ما ارتكبه في حق الله وفي حق نفسه أيضًا، أي أنه وبالرغم من الخطأ والعصيان الذي يعصي به الإنسان ربه يبقى ولائه الأول والأخير له.

لقد ورد ذكر هذا الهدف كواحد من الإجابات المباشرة عن سؤال ما الغاية من خلق الإنسان في أكثر من آية بالقرآن الكريم، ومن بينها قوله الحق سبحانه وتعالى
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [سورة الذاريات، الآية رقم 56]
هذه دلالة على أن الله قد خلق الإنسان وخلق الجن لكي يعبدوه ويخلصوا له في العبادة، فلا يحق للإنسان بعد أن كرمه الله ورفع من شأنه وخلق من أجله كونًا بأكمله، أن يوليَّ وجهه بعيدًا عن الله ويتخذ من دونه إلهًا لكي يعبده ويقدسه.

3- الاستمتاع بالحياة

تلك الحياة التي نحياها هي متعة ولذة وفتنة كبيرة، وهي من أهم الحقائق المندرجة تحت سؤال ما الغاية من خلق الإنسان، فلقد وصف الله الحياة بأنها متاع للإنسان حتى وإن كان متاعًا زائفًا مؤقتًا زائلًا، إلا أنه يبقى متاعًا ومذاقًا حلوًا وفتانَا للإنسان الذي خلق ضعيفًا نفسه أمارة بالسوء.
(اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ) [سورة الرعد، الآية رقم 26]

(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [سورة الحديد، الآية رقم 20]

(يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا) [سورة النساء، الآية رقم 28]
لا يمكننا أن نجيب عن سؤال ما الغاية من خلق الإنسان فيما يخص تلك المسألة بالتحديد، من دون أن نقدم الأدلة الوافية على كل تلك الحقائق من الكتاب العزيز.

خلق الله الإنسان لكي يعطي الحياة وتعطيه، تستمتع هي به ويستمتع هو بها بقدر، فهي تعرف أنها متاع ولهو وفتنة وترف، وهو يعلم كل العلم أنها متعة زائلة لا دوام لها، وبمعنى أوضح كل من الحياة والإنسان يتغذى على الآخر.

اقرأ أيضًا: اقتباسات من كتاب فن اللامبالاة

4- تطبيق الحكمة الإلهية في الثواب والعقاب

لولا وجود عكس المعنى، ما كان للمعنى معنى، هذا هو الملخص الذي قدمه الدكتور الراحل إبراهيم الفقي، الذي اختصر في تلك الجملة سنة الحياة، التي يوجد بها كل شيء وعكسه بالنسبة إلى الإنسان، وحتى في الإنسان نفسه يوجد به كل شيء ونقيضه في المقابل.

خلق الله الجنة والنار في الآخرة ودار الخلد ليصلاها من يستحقها من الإنسان ومن الجن أيضًا، والدليل على ذلك هو قوله سبحانه وتعالى
(وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [سورة السجدة، الآية رقم 13]
لولا الجنة ما كان هناك وجود للجنة، لولا الحزن لما عرف الإنسان قيمة السعادة، ولولا الفقر لما أدرك الإنسان قيمة الغنى، ولولا استساغته لطعم لطاعة لما نفر من طعم المعصية والاستمرار فيها، كل تلك المتناقضات هي سنة الحياة.

نعم فلقد سنَّ الله من الاختلاف سنة للحياة على ظهر الأرض، لكي تتحقق عدالة الله في الدنيا والأخرة بالثواب لمن يستحقه والمجازاة بالعقاب لمن هو أهل له، فمن عمل أعمالًا صالحًا وخيرة في حياته على الأرض، جزاه الله بالجنة في الأخرة، أما من ظلم نفسه وظلم غيره ونسيَ الله فإن الله يتعمد نسيانه بإعماق جهنم في الأخرة.

إذا لم تكن الأرض موجودة ولم يكن للإنسان وجود عليها، لم يكن الله ليخلق الجنة والنار، وسبق وأوضحت الآية الكريمة السابقة أن الإنس والجن يعيشون على الأرض، وفي نهاية الدنيا سوف تأكل النار نصيبها من كلا النوعين، كما ستنال الجنة نصيبها منهم وكل وفق عمله في الأرض.

اقرأ أيضًا: أفضل كتب علم النفس وتطوير الذات

5- التأمل في خلق الكون

لقد دعا دين الإسلام إلى إعمال العقل وكرَّه في نفس الإنسان الجمود الفكري، وبتتبع ما الغاية من خلق الإنسان على الأرض لوجدنا أن كل تلك الغايات هي سلم متدرج، تؤدي كل درجة فيه إلى الدرجة التي تليها أي أنها سلسلة متصلة الحلقات.

لو لم يتأمل الإنسان في الكون والخلق من حوله، لم يكن ليتحرك خطوة إلى الأمام لكي يعمر شبرًا واحدًا من الأرض، وإن لم يتأمل ويتفكر ويتدبر لما تمكن من إعمال عقله وتسخير قوته من أجل تحدي هذه الحياة لفهمها وتطويع قواها لخدمة مصالحه.

لقد دعا الله الإنسان لكي يتأمل في كل شيء حوله، لكي يعمق إيمانه بالله ويتقرب إليه أكثر، وكلما كان الإنسان قريبًا من ربه، كلما قرَّب خطاه من الجنة، ولا سبيل لذلك إلا من خلال عمل الصالحات وما يرضي الله خلال فترة حياته على ظهر الأرض.
(وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)

[سورة النور، الآية رقم 55]

استخلاف الإنسان في الأرض

لا يمكننا أن نجيب عن سؤال ما الغاية من خلق الإنسان على الأرض، أو استخلاف الله للبشر على كوكب الأرض من دون أن نوضح أكثر ماذا يعني الاستخلاف، ويمكننا تعريفه على أنه حكمة إلهية من خلالها حكم الله بأن يوليَّ بني الإنسان مسؤولية إعمار الأرض واستغلال ثرواتها والانتفاع بمنافعها، وهذا ما يسمى بالاستخلاف العام.

أما الاستخلاف الخاص فيقصد به النعم المختلفة التي يعطيها الله لمن يشاء من خلقه، فعلى سبيل المثال استخلاف الدول أي أن يجعل الله لكل دولة حدود طبيعية خاصة بها هدفها حمايتها وتوفير المصادر والثروات لها، ومن ذلك أيضًا نعمة ومسؤولية الحكم على البلاد والتي يخص بها من شاء من عباده.

اقرأ أيضًا: هل الشكل مهم في اختيار الزوج

الاستخلاف الأول للإنسان

خلق الله الإنسان للمرة الأولى وكان مختصره نبي الله آدم عليه السلام فهو أول الخلق من البشر، ومن ضلع أعوج في جنبه خلق السيدة حواء وعاشوا معًا جميعًا في الجنة، ولكن ما أن قال الله للملائكة أنه سوف يستخلف على الأرض مخلوقًا جديدًا وهو الإنسان.

اعترضوا في بادئ الأمر وقالوا إن الإنسان سوف يعثى في الأرض فسادًا وخرابًا ودمارًا وسفكًا للدماء، إلا أنهم أذعنوا للأمر الواقع واستجابوا لأمر الله إلا إبليس الذي رفض هذا الأمر وتمرد على الله واستكبر عن أن ينفذ ما أمره الله به.

أي أن يسجد لآدم في الجنة ويعظمه لأن الله كرمه واصطفاه على سائر المخلوقات الأخرى لكي يكون خليفة له على الأرض، وكيف له أن يسجد وقد خلق هذا الإنسان من الطين اللين بينما خلق إبليس من نار السموم.

على إثر ذلك طرد إبليس من الجنة بعد استكباره على الله تعالى وعصيان أمره المباشر وأغوى آدم قبلها لكي يعصى الله فيطرد من الجنة مثله.
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ) [سورة البقرة، الآية رقم 36]

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ) [سورة الأنعام، الآية رقم 165]

لقد خلق الإنسان وهو يعرف أنه ضعيفًا وقويًا عاطفيًا وعقلانيًا شكورًا وكفورًا، كما يعلم الإنسان جيدًا ما الغاية من خلق الإنسان على هذه الأرض، ولماذا وكيف خصه الله دونًا عن غيره من سائر المخلوقات الأخرى بتعمير الأرض واستخلافه عليه وتزيينه بالعقل.
(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) [سورة الأعراف، الآية رقم 137]

معرفة ما الغاية من خلق الإنسان تستوجب العلم والتدين والثقافة وسعة الأفق، لأن طرح مثل هذه الأسئلة عن جهل وقلة معرفة وضعف إيمان يقود بالإنسان حتمًا إلى الإلحاد.

قد يعجبك أيضًا