في اي فترة عاش ابن خلدون

في اي فترة عاش ابن خلدون؟ وما أهم أعماله؟ ابن خلدون هو أحد أعظم رجال التاريخ الإسلامي، فهو عالم جليل قدم ما لا يمكن نكران فضله في عدة مجالات من العلوم، والتي من أهمها علم الاجتماع والديموغرافيا، فله آثارًا ممتدة على مر العصور من بعده، وليس فقط على مستوى الوطن العربي وإنما الغربي كذلك، لذلك فها نحن نتعرف على المزيد من خلال موقع جربها.

في اي فترة عاش ابن خلدون

إن الحقبة الزمنية التي ينشأ فيها المرء والبيئة المحيطة به تعد مؤثرًا كبيرًا في تكوين شخصيته، ومن الأشياء التي تساعدنا في التعرف على الشخصية العظيمة ابن خلدون هو التعرف على الفترة التي كان يعيش فيها، والتي تكشف بدورها عن قضايا المجتمعات في وقتها وكيف كانت عاملًا مشكلًا لعقلية هذا العالم الفذ.

نشأ العالم الجليل ببلدة حضرموت، حيث إن أصوله أندلسية، وانتقل أهله من الأندلس إلى تونس في منتصف القرن السابع الهجري، ولد ابن خلدون في تونس تحت الحكم المغربي العربي (عهد الدولة الحفصية)، وعاش بينها وبين بلاد المغرب الأقصى.

كان مولده عام 1332 في وسط أسرة ذات علم وأدب والذين عهدوا تحفيظه القرآن في سن صغير، كما شغل آبائه وأجداده المناصب الهامة في الأندلس قبل النزوح لتونس وتوفي في 1406 في مصر تحديدًا (القاهرة)، وتعتبر تلك هي الحقبة الزمنية التي قضاها هذا الرجل العظيم والتي قدم فيها نهج سار عليه الشرق والغرب من بعده، وقد عاصر العصر المملوكي.

اقرأ أيضًا: بحث عن ابن خلدون.. حياته ونشأته وأبرز أعماله

أهم أعمال ابن خلدون

قدم العالم الجليل ابن خلدون العديد من الأعمال ذات القيمة العالية والصدى الكبير على مجالات العلم المختلفة، وعرض نظريات ومناقشات غاية في الأهمية، إلى أن أصبح تاريخه وآثاره باقية حتى الآن، ومن أهم أعماله ما يلي:

كتاب (مقدمة ابن خلدون)

هو أشهر كتبه والذي وضع ككتاب منفصل من قبل ابن خلدون ولكنه يهدف لتهيئة وتقديم كتابه الرائع (العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)، وهو كتاب اشتمل كافة الميادين من تاريخ وجغرافيا وشريعة وعمران واقتصاد واجتماع، وكذلك تناول الطب والسياسة، بالإضافة إلى جانب نفسي من حيث طبائع البشر وتأثير البيئة عليهم وما إلى ذلك.

كتاب (العبر)

هذا الكتاب الذي قدمه ابن خلدون بكتابه المذهل مقدمة ابن خلدون، فما بالك بذاك، الذي يحتوي على سبع مجلدات وهو واحدًا من أهم إنجازات العالم الجليل، والذي تناول فيه تاريخ البربر، ويعد واحدًا من أهم المصادر لتاريخهم، كما تناول الكثير من القضايا الإنسانية والاجتماعية.

ابن خلدون وعلم الاجتماع

يعد ابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع، أو كما كان يسمى علم العمران، خصص العالم كتاب (مقدمة ابن خلدون) لتناول موضوع العمران البشري، وعلم الاجتماع، ونظرًا للدور الجليل الذي قام به هذا العالم فإن العلماء اعترفوا بكونه هو المؤسس الأول لما يسمى بعلم الاجتماع.

ارتكز ابن خلدون في مناقشته على منهج الربط بين الظواهر الاجتماعية بعضها ببعض، حيث إن كل ظاهرة ترجع لظاهرة أخرى غيرها، وقدم علمه بطريقة متكاملة تشمل كافة نواحي الحياة، كما يناقش الظواهر الحادة في المجتمع من توحش وعصبيات وأصناف، ويتناول كل ظاهرة بشكل تفصيلي تحليلي للعودة لمسبباتها، والعوامل التي أدت لظهورها.

بهدف الكشف عن الخبايا التي تكمن وراء الكائن البشري الاجتماعي بطبيعته والذي يؤدي تفاعله مع البيئة والأشخاص من حوله عدة نتائج بعضها السلبي وبعضها الإيجابي نتيجة لمؤثرات مجتمعية وبيئية، كما يكشف عن مقومات المجتمعات السليمة والسبيل للتخلص من الظواهر الضارة للمجتمع.

السعي في محاولة إنشاء مجتمعات صالحة للأفراد تهدف للسلام والألفة والتخلص من كافة العادات البربرية والتعاملات الوحشية والشذوذ النفسي والتطرف، من خلال إرساء عادات مجتمعية تعمل على تهذيب الشعوب والأفراد وتزيد من التآلف بينهم.

اقرأ أيضًا: من هو مؤسس علم الاجتماع

ابن خلدون والبيئة

ربط ابن خلدون تصرفات وسمات الشخصية للأفراد بالبيئة الخاصة بهم، حيث ان للبيئة عامل مهم في تشكيل ذويها، مما يتم تناوله الآن بشكل عصري وأكثر تخصصًا في علم الإنثولوجيا وعلوم الإنسان، حيث يقول “إن اختلاف الأجيال في أحوالهم إنما هو باختلاف نحلتهم في المعاش.”

ذلك المبدأ الذي نستخلص منه الكثير من المعاني والذي يقوم على أساسه شرح أفكار العالم، في تصنيف البيئات والمجتمعات وسمات كل فرد من أفراد تلك المجتمعات وأجيالهم وفق ما يعايشونه من طبائع، حيث يعرض عن أهل البدو مثلًا أنهم يكتفون بمقدار الحاجة فقط ولا يزيدون عليه في قوله “إن أهل البدو المنتحلون للمعاش الطبيعي. وإنهم مقتصرون على الضروري من الأقوات والملابس والمساكن وسائر الأحوال والعوائد.”

ابن خلدون وعلم الاقتصاد

بينما يناقش ابن خلدون موضوعاته، التي ارتبطت ببعضها البعض، بالإنسان كله وكافة نواحي الحياة من حوله، توصل إلى نتائج متعلقة كذلك بعلم الاقتصاد، والتي كذلك استند عليها العلم الحديث في إرساء مبادئه وإنشاء موضوعات علومه، يقول ابن خلدون بأن الصناعة هي المركز الأساسي للازدهار الحضاري.

حيث قال في إحدى مؤلفاته “إنما الصنائع تكتمل بكمال العمران الحضري وكثرته. إن رسوخ الصنائع في الأمصار إنما هو برسوخ الحضارة وطول أمدها “بذلك يتضح لنا الفكرة التي يهدف ابن خلدون لترسيخها من حيث أن الحضارة مرتبطة بالصناعة وأن المجتمعات ترتقي بها.

تكون تلك الصنائع على مختلف المجالات والأشكال وأنها تختلف باختلاف العمران والبيئات في المجتمع، كالفلاحة والزراعة، الخياطة والنجارة، الطب والوراقة والحياكة والتوليد وما إلى آخره.

ابن خلدون وعلم الأحياء

نكتفي بذكر النص الذي قاله ابن خلدون في كتابه معبرًا عن المعاني العميقة لعلم الأحياء، حيث يعد من الأوائل الذين حاولوا تشبيه تشريح الإنسان بالقردة،

ويقول: ثم انظر إلى عالم التكوين كيف ابتدأ من المعادن ثم النبات ثم الحيوان على هيئة بديعة من التدرج: آخر أفق المعادن متصل بأول أفق النبات من الحشائش وما لا بذر له؛ وآخر أفق النبات مثل النخل والكرم متصل بأول أفق الحيوان مثل الحلزون والصدف ولم يوجد لهما إلا قوة اللمس فقط. ومعنى الاتصال في هذه المكونات أن آخر أفق منها مستعد بالاستعداد القريب لأن يصير أول أفق الذي بعده، واتسع عالم الحيوان وتعددت أنواعه وانتهى في تدريج التكوين إلى الإنسان صاحب الفكر والرؤية، ترتفع إليه من عالم القردة الذي اجتمع فيه الحس والإدراك ولم ينته إلى الروية والفكر بالفعل، وكان ذلك أول أفق من الإنسان بعده، وهذا غاية شهودنا

ابن خلدون والفلسفة

لا يمكن لعالم جليل مثل ابن خلدون أن يكون بلا فلسفة هامة، ليس ذلك فحسب، وإنما كان له دورًا كبيرًا في علم الفلسفة ذاته، كانت له قدرة هائلة على استعراض الآراء ونقدها، كما كان شديد الملاحظة ودقيق التعبير، تميز بخصال كريمة تليق بعالم جليل مثله، من تحري الدقة والصدق والإنصاف في النقل وترك الحريات لمخالفة آراءه ومناقشتها ونقدها.

إن الفلسفة التي كان يتمتع به جعلته سببًا لحل العديد من النزاعات الدولية بين الدول وبعضها البعض، وذلك نظرًا لحكمته وقوته الدبلوماسية، كما عين سفيرًا لمثل تلك النزاعات في دمشق وقشتالة.

اقرأ أيضًا: بحث مختصر عن العصر العباسي

ابن خلدون وعلم التربية

قدم ابن خلدون دورًا لا يمكن التغاضي عنه في علم التربية والذي يتعد به إلى الآن مقياسًا للتربية السليمة، وذلك نظرًا لاطلاعه الواسع على تكوين الفرد وشخصيته وما يؤثر ويني أو يهدم في الشخصية، وبالتالي وضع هجًا رائعًا في التربية على النحو التالي:

  • العلم ينقسم إلى علم نقلي وآخر عقلي.
  • التدرج في تناول التعليم.
  • يقوم البدء بالمحسوسات أولًا ثم الوصول تدريجيًا إلى الملموسات.
  • يبدأ الصبي بتعلم القرآن والأشعار التي تنمي عنده ملكة الحفظ.

لقد ساهمت الفترة التي عاش فيها ابن خلدون وظروف البيئة والتنقلات التي عاش بينها من دولة إلى أخرى، كما كان للأسرة التي ترعرع فيها فضل في تكوين واحدة من أهم الشخصيات الإسلامية العربية، ننصحكم بقراءة المزيد عنه.

قد يعجبك أيضًا