مقارنة بين المذهب العقلاني والمذهب التجريبي

إنَّ بداية المقارنة بين المذهب العقلاني والمذهب التجريبي تمتد إلى أمد بعيد، تغلغل الكثير من العلماء في البحوث لمعرفة حقيقة الاختلاف بين الأشخاص النابغين في هذه الحياة والأشخاص العادية، وكذلك الفرق بين الأشخاص الأسوياء والطيبين والأشرار، فتطرقوا على طرق اكتساب العادات وتكوين المهارات المختلفة وتم شرح هذه الكيفية باستخدام مذهبين المذهب العقلاني والمذهب التجريبي، والآن لنتعرف على مقارنة بين المذهب العقلاني والمذهب التجريبي من خلال موقع جربها.

مقارنة بين المذهب العقلاني والمذهب التجريبي

إن مشكلة المعرفة لها دورًا كبيرًا في إثارة الفكر الإنساني خاصة للفلاسفة والمذاهب، حيث تعددت الآراء بصددها، فقد اعتبر البعض أن المعرفة أساسها العقل، فهو مصدر كل المعارف تبعًا للإشكالية المطروحة، والبعض الآخر ذكر أن التجربة هي الأساس، ولكلٍ حجته.

حيث جاءت العقلانية كمذهب يعطي الأولوية إلى العقل، بأنه الأساس ومن بعده جاءت كل المعارف، فلم تأت من محض تجربة أو شعور، مستندين في ذلك إلى أمر مسلم به ألا وهو أن المعرفة الحقيقية تكمن فيما يميز الإنسان عن الحيوان وهو العقل لا الإحساس أو التجربة، من هنا كان العقل هو الأكثر إنصافًا في التمييز، وهذه النقطة تعد من النقاط المهمة في موضوع مقارنة بين المذهب العقلاني والمذهب التجريبي.

فمن خلال العقل من الممكن أن يهتدي المرء إلى ما كان ليدركه بحواسه، فجميع المعارف تنشأ عن الأفكار العقلية التي هي من البديهيات اليقينية، والتي أيضًا تعد السابقة عن كافة التجارب نظرًا لصدقها.

أما عن منطلق أنصار أن التجربة هي أساس المعارف، استندوا إلى أن جوهر المعرفة يكمن في التجربة، فيستبعدون العقلانية نظرًا لأن العقل في مجمله لا يسعه أن يُنشئ التصورات والمعاني، أما عن العلم فهو يعود إلى التجارب التي أثبتت فروضه بالتمحيص والتفنيد.

كذلك يستندون إلى أن المرء يظل لا يعرف ولا يعلم إلا من خلال اكتشافه للعالم الخارجي من حوله، عن طريق كامل حواسه التي تدفعه إلى الخوض في تجارب شتى حتى يعرف، فقد أشار أنصار هذا الاتجاه إلى أن الأحكام العقلية من شأنها أن تتغير بالتغيرات المكانية والزمانية.

إلا أنه يسعنا القول حتى نكون على قدر من الإنصاف أن الحواس قاصرة بل ومحدودة نتائجها، فعلى سبيل المثال لا الحصر نحن نرى النجوم في السماء صغيرة إلا أنها في واقع الأمر لا تقارن بمثل هذا الحجم، فكثيرًا ما تخطئ الحواس، كذلك الحال لو اقتصرت المعارف على إدراك الحواس لكان الحيوان شريكًا فيها مع بني البشر.

اقرأ أيضًا: الإنسان مسير أم مخير في حكم الدين والفلسفة

المذهب العقلاني

في ضوء التحدث عن موضوع مقارنة بين المذهب العقلاني والمذهب التجريبي، سوف نتعرف على مفهوم المذهب العقلاني، لا شك في أن عقل الإنسان على مستوى عالي جدًا من التنظيم في قدرته على معالجة المعلومات وإعطاء الأوامر المختلفة بناءً على ما يصل إليه من بيانات.

في هذا المذهب يعد العقل هو الأساس الوحيد في الحصول على المعلومات، وأنه يحتوي على كافة المعلومات حتى إذا لم تتواجد أي تجربة تؤدي إلى توطيد المعلومة، فقط على الشخص أن يتأمل ويفكر قليلًا للوصول على البيانات التي يريدها، ومن ضمن الأمثلة على المذهب العقلاني:

  • سقراط والذهب

وصل سقراط إلى أن المادة تتكون من أربعة مكونات هي النار والماء والتراب والهواء، وتغيير تلك المكونات يمكن أن يقوم بتحويل المادة إلى مادة أخرى، فظل الناس عصور وراء عصور يحاولون تحويل الحديد إلى ذهب بناءً على هذه الفكرة.

  • ديكارت ووجود الله

نجد أن هذا العالم قد تيقن من وجود الله فقط من خلال شعوره وإيمانه بذلك، فيرى أن هذا الشعور هو ما زرعه الله في أرواحنا من الأساس، وبالتالي فإن العلم بكل شيء في أنفسنا يبدأ من داخلنا، لا نحتاج على إثباتات لأننا على علم بها من الله، وقبل العلم بأنفسنا فنحن نعلم جيدًا عن وجود الله.

المذهب التجريبي

بعد أن تعرفنا على مقارنة بين المذهب العقلاني والمذهب التجريبي، سوف نسترسل في المذهب التجريبي، يؤكد أنصار هذا المنهج على أن المعرفة لا تخرج عن الحواس والتجارب كنتاج لهما، فلا نتيقن من أمر ما دون التجربة، من هنا لا يعطون للعقل دورًا بالغًا، نظرًا لكونه في رأيهم لا يسعه بمفرده التمكن من الوصول إلى حقيقة الأشياء وجوهرها، والتي تتسنى من خلال التجارب ليس إلا.

من خلال تلك الفرضيات التي وضعها المنهج التجريبي نجد أنه لاقى الكثير من العقبات خاصة القضايا التي تعتمد على العقل فحسب، والتي لا تحتاج إلى تجارب فقط لإثبات نتائجها، كما هو الحال بصدد القضايا الرياضية، فالمذهب التجريبي يؤمن بأنه لا يوجد ما يسمى بالقوانين الكلية المسبقة، فلا يُمكن إثبات حقيقة ما والقول إنها حقيقة دون أن تخضع إلى التجارب لاستكشافها.

على الرغم من ذلك، نجد أن المنهج التجريبي ينتهج مكانة مميزة بين المذاهب المعنية بالبحث العلمي، لكونه يعتمد تمام الاعتماد على قواعد المنهج العلمي والتجربة العلمية وما إلى ذلك، حيث يتم إخضاع الاختبارات لمجموعة من الاستنتاجات حتى يتم التأكد من مدى تطابقها مع الحقائق، حيث يشيرون إلى أن التجربة هي أكبر دليل على مدى صحة الحقائق.

أما في إطار المقارنة بين المذهب العقلاني والمذهب التجريبي نجد أن الأخير يرفض العقلانية تمامًا جملةً وتفصيلًا حيث يسير التجريبيون من الجزء إلى الكل، أو من الخاص إلى العام، من هنا نرى أنه يعني بالتجربة المعتمدة على المادة والظاهر من الأشياء لا على الباطن والمكنون.

اقرأ أيضًا: هل يحاسب الإنسان على ما يقول في نفسه

أمثلة على المذهب التجريبي

إن هذا المذهب ينوه إلى أن تصرفات الشخص هي فقط نتيجة للبيئة الموجود بها، فإن هذه البيئة هي التي تدفعه إلى تعلم العادات الجديدة حتى يستطيع التعايش معها، وفي سياق التحدث عن موضوع مقارنة بين المذهب العقلاني والمذهب التجريبي سوف نناقش بعض الأمثلة على المذهب التجريبي والتي تتمثل في الآتي:

1ـ الفأر والصندوق

لقد قام أحد العلماء بتجربة تتحدث عن كيفية التعلم والتي تتمثل في وضع نوع من القوارض في صندوق وترك رافعة ومكان به بعض المأكولات، هذه الرافعة تكون مرتبطة بفتح هذا المكان، وفي الوقت ذاته لم يقم العالم بوضع أي نوع من الغذاء لهذا الكائن.

فظل يشعر بالجوع الشديد حتى ضغط على هذه الرافعة بصورة غير مقصودة فسقطت المأكولات، مع الوقت تعلم هذا الكائن أن الحصول على الطعام مرتبط بهذه الرافعة، فكان كلما يشع بالرغبة في تناول الطعام يضغط على الرافعة ومن هنا نتأكد من أن عملية التعلم تنتج من التجربة، وكذلك تغيير السلوكيات ينتج من التجربة.

2ـ الفأر وهرمون السعادة

كما أن تجربة بعض المشاعر يؤدي إلى تكرار بعض السلوكيات، فنجد أنه قد تم إجراء بحث على بعض أنواع القوارض من خلال وضع مقبض عندما يضغط هذا الكائن عليه يحدث إثارة لإفراز هرمون الدوبامين بدرجة كبيرة جدًا.

في بداية وضع هذا المقبض لم تهتم به هذه الكائنات بل تم الضغط عليه بالخطأ من قبل أحدهم ومن ثم بدأت هذه الكائنات تضغط على هذا المقبض بصورة هستيرية من أجل الشعور بالمتعة فلا يأكلون ولا ينامون حتى فقدوا وعيهم من التعب.

بعد فترة قام العلماء بإزالة هذا المؤثر وبالرغم من ذلك استمرت الكائنات في الضغط على المقبض حتى مع عدم وجود تحفيز لإنتاج هرمون السعادة، ومع الوقت ظهر كسل غير طبيعي في نشاط هذه الكائنات نظرًا لقلة إفراز هذه المادة، وأخذوا الكثير من الوقت من أجل العودة على الحالة الطبيعية، فنجد هنا أن التجربة كانت سبب في تغير السلوك كليًا.

3ـ الضوء هو موجات كهرومغناطيسية

من ضمن أهم الأسس التي يعتمد عليها المذهب التجريبي التي سوف نذكرها في ضوء التحدث عن موضوع مقارنة بين المذهب العقلاني والمذهب التجريبي، هي أن المذهب التجريبي لا يأخذ أي معلومة على أنها هي الأساس التي يجب أن يسير عليه العالم ولا يمكن تغييره.

فعلى سبيل المثال في ظل العصر السابق للقرن التاسع عشر كانت مواد الفيزياء قليلة وكانت هناك بعض الأمور التي يأخذها الفيزيائيين كمسلمات لا يمكن تغييرها، ومن ضمن هذه الأمور هي أن الموجات المرئية ما هي سوى موجات مغناطيسية وموجات كهربية مدمجة معًا.

حتى جاء العالم اينشتاين ببعض التجارب، ومن ضمن هذه التجارب هي أن مكونات الموجات المرئية لها طبيعة مزدوجة، فنجد أنها في بعض الأوقات تتصرف مثل التذبذبات وفي أوقات أخرى تتصرف مثل الأشياء التي لها كتلة، وأطلق على مكونات الذبذبات المرئية ما يدعى بالفوتونات.

تم إثبات ذلك من خلال لوح من المعدن، الذي تم التركيز عليه بالذبذبات المرئية التي لها تردد محدد، مع الوقت تمت ملاحظة وجود الإلكترونات التي تنفصل من المعدن، وهذا يعني أن مكونات التذبذبات المرئية قد أعطت طاقة على الوحدات المكونة للمعدن.

مما أدى إلى انتقال الالكترون من داخل الوحدة التي تشتمل عليه، مع العلم بأن الإلكترون لها كتلة، فهو ليس في صورة ذبذبات ومعنى أن يأخذ من شيء ما طاقة أن الشيء كذلك له كتلة، كما أن معنى أن تعطي الذبذبات الطاقة إلى الالكترون أنه له بعض الخواص التذبذبية، ومن هنا بدأ المستوى الجديد للفيزياء.

اقرأ أيضًا: من هو مؤسس علم الاجتماع

4ـ الوقت والنسبية

نظرًا للتجربة المستمرة للعلماء توصلنا إلى الاكتشافات الحديثة، فلولا اكتشاف بسيط توصل إليه آينشتاين لما وجدت الأقمار الصناعية التي أدت إلى التواصل بين الأشخاص في مختلف أنحاء العالم، الذي يتمثل في أن الوقت غير ثابت حيث أن مرور الوقت هو أمر مختلف باختلاف سرعة الجسم، فكلما زادت سرعة الجسم اختلفت معيار الزمن بالنسبة إليه، ويوجد مثال موضح لتلك الفكرة.

إذا ذهب شخص في رحلة في صاروخ لا تتغير سرعته لمدة سنة كاملة، فسوف نجد ان الزمن المار لدى الأشخاص الموجودين في الصاروخ هو سنة، بينما الزمن المار على الأشخاص الموجودين على كوكب الأرض هو حوالي عشرين سنة أو أكثر، وهذا يعد مثال تخيلي لتوضيح معادلات اينشتاين المستخدمة في الكثير من التطبيقات حاليًا، والتي جاءت من خلال التجربة.
لا شك في أن قدرات العقل والحدس هم الأساس في استكشافنا لهذا العالم وتكوين السلوكيات المختلفة، وكذلك بناء العادات والمعتقدات يرتبط بالتجربة، فالعقل والمحاولة هما أساس تقدم الفرد.

قد يعجبك أيضًا