أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة

أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة، آيات القرآن الكريم لم تكن مجرد سرد للأحكام والنواهي للدين الإسلامي، إنما أشار الله تعالى فيها إلى مجموعة من الحكم والمقولات الإلهية التي لو التفتنا إليها وتدبرنا معاناها لأصبحت خير دروس نسترشد بها إلى يوم القيامة، وهذا ما سنقوم بتوضيحه بينما نفسر الآية الكريمة من خلال موقع جربها.

أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة

القرآن الكريم هو رسالة الله لعباده على لسان نبيه الكريم سيد الخلق أجمعين، فما كتب على وجه الأرض ولا في السبع سماوات أبلغ ولا أفصح من القرآن الكريم.

أرسله الله رحمة للعالمين، حاملًا في طياته أوامر ونواهي وقوانين يسير عليها المسلمون حتى يوم الدين، إلى جانب مجموعة من الحكم والمقولات الإلهية التي نزلت تعليقًا على مواقف معينة حدثت مع سيد الخلق أو مع أحد المسلمين حينها.

فكل آية في كتابه العزيز نزلت لسبب، فلم يكن الله سبحانه وتعالى لينزل آياته هباءً دون داعي – تعالى الله عما يصفون-، وخير دليل على ذلك هي تلك الآية الكريم التالي ذكرها بعد، فها بنا نتأمل كلماتها ومن ثم سنطلع إلى معانيها وتفسيراتها المختلفة.

قال الله تعالى في كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم (أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا (78)) [سورة النساء: 78]

نزلت تلك الآية الكريمة جراء غزوة أحد حينما قتلت أعداد كبيرة من المسلمين في تلك المعركة، حيث أتت الشماتة من أهل قريش متمثلة في مقولاتهم التي حملت في طياتها محاولات لاسترجاع من تبقى في صفوف المسلمين إلى قريش، هاجرين لدين محمد عائدين إلى الشرك والضلال.

حيث إنهم قالوا لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا فرد عليهم الله تعالى حينها بآياته الكريمة بسم الله الرحمن الرحيم (مَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖ).

انطلاقًا من ذلك وفيما يلي سنستعرض أهم التفسيرات التي وردت في الآية الكريمة بإيجاز مع توضيح كافة تفاصيل التفسير.

اقرأ أيضًا: آيات قرآنية تجعل الطفل يتكلم

تفسير الآية حسب الكتاب الوجيز

يعد الوجيز واحد من أقدم التفسيرات المبسطة التي قدمت أبسط التفسيرات لكتاب الله تعالى، قدمه أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي ليكن خير مرجع لطلابه الباحثين عن أكثر التفسيرات تيسيرًا وسهولة.

على تلك الخطى سنقوم بسرد تفسير الآية الكريمة كما يلي:

  • أنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ) المقصود بالبروج هنا هي تلك الحصور والقصور التي كانوا يتخذونها ملجأ وحماية. (مُّشَيَّدَة) مطولة ومرفوعة وفي أقوال أخرى قيل إن معناها بروج السماء.
  • (وَإِن تُصِبۡهُمۡ) يقصد بها المنافقين واليهود. (حَسَنَة) معناها كل ما هو رخص سعره وخصب نوعه. (يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَة) المقصود بالسيئة الجدب والغلاء.
  • (يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ) تشير تلك الآية إلى ما قاله الكفار حين أمسك الله عنهم خيره ونعمه بعد كفرهم بمحمد، فقد قالوا إن ما أصابنا وما حدث معنا هو من شؤم محمد وقدمه إلينا برسالته. (قُلۡ كُلّٞ) بمعنى قل يا محمد أن الجدب والخصب. (مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ) من قبل الله تعالى. (فَمَالِ هَٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا) لا يفهمون القرآن.

اقرأ أيضًا: من هم أصحاب الرس ومن هو النبي الذي جاء إليهم

تفسير الآية حسب التفسير البغوي

يعد المعجم البغوي واحد من أكثر المعاجم القرآنية وضوحًا ويسرًا، حيث قدمه الحسين بن مسعود بن محمد المعروف بالفراء البغوي ليكن خير دليل مبسط لمن أراد تفسير مبسط للقرآن.

استعانةً بالمعجم البغوي فها نحن نستعرض تفسير الآية الكريمة كما يلي:

  • (أنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ) فسر البغوي الآية الكريمة من نفس المنطلق الذي عرضناه في الفقرة الأولى، حيث شرح موقفها وأن الموت مدرك صاحبه لا محال.
  • (وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ) البروج هنا المقصود بها الحصون والقلاع، والمشيدة المقصود بها المحصنة شديدة التحصين والعلو.
  • (وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَة) أنزلت الآية الكريمة في اليهود والمنافقين وفيها إشارة لما قالوه عن أشرف الخلق حين نعتوه بالشؤم لما مروا به من نقص الثمرات والرزق وعلى الجانب الآخر لم أصابهم الخير والرزق.
  • (يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ) بمعنى أن هذه لنا نحن.
  • (وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَة) السيئة المقصود بها الجدب والغلاء في الأسعار.
  • (يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ) أي من شؤم محمد، وفي قول آخر يقصد هنا بالحسنة يوم الظفر ببدر والنصر فيها، ويقصد بالسيئة يوم أحد.
  • (قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ) أي الحسنة والسيئة من عند الله، قم اتبع فعيرهم بجهلهم فقال (فَمَالِ هَٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ) يقصد بهم المنافقين واليهود. (لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا) أي لا يفقهون قولًا.

اقرأ أيضًا: من الشخص الذي أُنزلت فيه سورة الهمزة؟
يعد القرآن الكريم بئر لا ينضب، ففيه من المعاني والحكم ما إن اتخذناه كمغذي للروح فهنيًا لنا برضا الله وهنيئًا لنا برفقة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجنة.

قد يعجبك أيضًا