سبب نزول سورة التكاثر

سبب نزول سورة التكاثر يتضح في فهم معانيها، فالقرآن الكريم مليء بما يعجز العقل عن استيعابه حتى ولو كانت السور صغيرة فهي أيضًا فيها من اللطائف مالا نتوقع نحن، وسورة التكاثر بها من الإعجاز والجمال القرآني ما يجعلنا نوجه النظر إليها، وهذا ما سنلقي الضوء عليه من خلال موقع جربها.

سبب نزول سورة التكاثر

لقد اختلف العلماء المفسرين في سبب نزول سورة التكاثر، فجاءت الآراء كالتالي:

1- القول الأول

إلى مقاتل والكلبي، حيث قالوا إنها نزلت في فرق من قريش وهما بنو عبد مناف وبنو سهم، حيث كان بينهما جدال وصل إلى أن السادة أعلنوا العداء ضد بعضهم البعض عن أيهما أكثر عددًا.

فقال بنو عبد مناف: نحن أكثر سيدًا، وأعز عزيزًا، وأعظم نفرًا، كما قال بنو سهم الكلام نفسه ثم وصل بهم الأمر إلى قولهم نعد أمواتنا حتى أنهم زاروا القبور، فعدوا ما فيها من أموات لكلا منهم، فكان أكثرهم بنو سهم لأنهم كانوا أكثر عددًا في الجاهلية.

2- القول الثاني

إلى قتادة: حيث إنه قال إنها نزلت في اليهود، حيث قالوا نحن أكثر من بني فلان وبني فلان وبني فلان ألهاهم ذلك حتى ماتوا ضلالًا.

3- القول الثالث

ذكر بن أبي حاتم عن أبي بريدة أن سبب نزول سورة التكاثر نزلت في قبيلتين من الأنصار وهما: بنو حارثة وبنو حرث، وذلك لأن كل واحدة منهم كانت تتفاخر بما تملكه من أنساب وأولاد، كما أنه كان لديها الكثير من الأموال، وكانت كل قبيلة تفعل شيء كانت الأخرى تفعل مثلها.

حتى وصل بهم الحال إلى أنهم زاروا القبور ليقوموا بعد موتاهم ليثبت كل منهم للآخر أنه أكثر عددًا، فجاءت سورة التكاثر تنهاهم عن هذا الفعل وأمرتهم بالانشغال بأنفسهم.

اقرأ أيضًا: سورة تضمنت جميع اياتها لفظ الجلالة

سبب تسمية سورة التكاثر بهذا الاسم

لقد سميت سورة التكاثر بهذا الاسم نسبة إلى قول الله تعالى: “ألهاكم التكاثر” في أول آيات السورة المباركة وهذا الاسم الذي عرفت واشتهرت به سورة التكاثر، فلها بعض الأسماء الأخرى التي وردت في بعض المصاحف أيضا كاسم “ألهاكم” وكان هذا الاسم عند بعض العلماء من بينهم البخاري فقد ذكرت بهذا الاسم في صحيحه.

أما عن التكاثر وذكره بالسورة فهذا يرجع لأنه المحور الرئيسي الذي يتمحور حوله سلوك أغلب البشر، وذلك لانشغالهم بالتفاخر بمال لديهم من أبناء وأموال ومتاع الدنيا وزينتها، حتى يأتيهم الموت بغتة وهم غافلون.

سورة التكاثر مكية أم مدنية؟

ذهب بعض المفسرين إلى كون سورة التكاثر سورة مكية ومعنى مكية أنها نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة قبل الهجرة إلى يثرب، وأما السور المدنية فهي التي نزلت في المدينة المنورة.

أما عن سورة التكاثر فقد اتفق القرطبي وابن عباس -رضي الله عنهما- أنها من السور المكية وقد استدل ابن عباس أن ذُكر في سبب نزول سورة التكاثر أنها نزلت في جماعتين من قريش وهما بنو عبد مناف وبنو سهم.

بينما الفريق الآخر الذي اعتبرها مدنية.. فكان الإمام البخاري رحمه الله والإمام السيوطي في كتابه الإتقان، وقد استدل على ذلك بقول ابن أبي حاتم إن سبب نزول سورة التكاثر أنها نزلت في الأنصار، كما استدلوا بحديث أُبي بن كعب لأنه أنصاري وبأنها نزلت بعد سورة الكوثر وبعد سورة الماعون، كما أن ترتيبها هو السادس عشر وهذا الترتيب يرجح أنها مكية.

اقرأ أيضًا: لماذا سميت سورة البلد بهذا الاسم

فضل قراءة سورة التكاثر

أما عن فضل قراءة سورة التكاثر فهي كغيرها من سور القرآن العظيم، فإنه لكل حرف تقرأه من القرآن حسنة والحسنة بعشر أمثالها كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألف لام ميم حرف، ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ” حيث إنه لم يرد أي حديث صحيح عن فضل خاص بسورة التكاثر.

تفسير سورة التكاثر

كما ذكرنا أنها على أغلب الأقوال من السور المكية وعدد آياتها ثمان.. قال الله تعالى:
“ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر” “كلا سوف تعلمون” “ثم كلا سوف تعلمون” “كلا لو تعلمون علم اليقين” “لترون الجحيم” ثم لترونها عين اليقين” “ثم لتسألن يومئذ عن النعيم”.

  • “ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر”: تعني هنا أنكم انشغلتم بالكثرة والزيادة في الأموال والأولاد والدنيا ومتاعها، هكذا مما يصرف الإنسان عن فطرته وعن سبب وجوده في هذه الدنيا.
  • حتى زرتم المقابر“: انشغلتم بمتاع الدنيا الفانية حتى متم وأصبحتم مقبورين أي من أصحاب القبور، فأفنيتم حياتكم وعمركم الذي منحكم الله إياه في الأعمال السيئة التي لا تنفع الإنسان بل تضره، ونسيتم المتاع الحقيقي الدائم وهو في الآخرة.
  • “كلا”: هنا للردع للتوقف عن الانشغال بالتكاثر ونسيان الموت والتوهم بأن الفوز بالتفاخر والتباهي بما أنعم الله به على البعض، ولكن في حقيقة الأمر أن الفوز هو بالتناصر في الحق وأن يتحلى الإنسان بالجميل من الصفات.
  • “سوف تعلمون“: هنا وعيد من الله تعالى لأولئك الذين يتفاخرون بما فضلهم الله به بما ينتظرهم في الآخرة من عاقبة وخيمة عليهم، وهذه العاقبة لاشتغالهم بما لا ينفع وبتلك الشهوات سريعة الزوال.
  • ثم كلا سوف تعلمون“: هنا التكرار للتوكيد على ما وعد الله من العذاب لأولئك الناس “ثم” هنا للدلالة أن الثاني أبلغ من الأول بمعنى أن العذاب في القبر عظيم، لكن عند النشور والخلود في النار فهو الأعظم.
  • كلا لو تعلمون علم اليقين“: أي لو تعلمون ما بين أيديكم من الجزاء علم الحق اليقين الثابت، لكنتم ندمتم أشد الندم والحسرة إلى أن يبلغ بكم الندم منتهاه على فوات أعماركم في التكاثر وما انشغلتم به عن خالقكم وعدم اتباعكم الحق.
  • لترون الجحيم” فهو جواب للقسم المضمر، الذي أكد به الوعيد ولقد أوضح به ما أنكروه تفخيمًا.
  • “ثم ترونها عين اليقين” وتعني الرؤية هي نفسها اليقين، فعندما يرى الإنسان أمرًا ما يتيقن بحدوثه والعين بمعنى النفس، لأن الانكشاف بالرؤية والتأكد بالنفس فوق كل الانكشافات فهو أحق بأن يكون عين اليقين، وأما عن التكرار فهو للتوكيد، ويقال (جاء زيد عينه) أي جاء زيد بنفسه.
  • “ثم لتسألن يومئذ عن النعيم“: أي عن النعيم الذي ألهاكم التكاثر عنه والتفاخر بما هو فاني في هذه الحياة الدنيا، ماذا عملت فيه؟ ومن جاءكم؟ وماذا عملتم به؟ وإنه ليدخل في ذلك نعم الله على الإنسان كالسمع والبصر والبدن والصحة وغيرها من نعم الله التي لا تعد ولا تحصي.

اقرأ أيضًا: فضل قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة

لطائف سورة التكاثر

بعدما تحدثنا عن سبب نزول سورة التكاثر نذكر أنه من عظيم لطائف هذه السورة العظيمة ما يلي:

  • أوضحت لنا سورة التكاثر أن الموت هو أعظم موعظة من الممكن أن يتعظ منها العبد.
  • من بلاغة القرآن استخدام كلمة علم اليقين وهو السماع بالشيء والعلم به دون المشاهدة له، أما عين اليقين فهو الذي يجمعه بين العلم والرؤية العينية واليقين بالشيء عن رؤيته وهذا توكيد على حقيقة يوم القيامة وأهواله وما سنجده في هذا اليوم العظيم.
  • الإكثار من الأعمال الصالحة تنفع صاحبها دينًا ودنيا، ولذلك حثت على عدم الالتفات إلى متاع الدنيا الزائل.
  • الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ورزقه كل ما يحتاج إليه للعيش وسيسأله الله تعالى عن كل هذا يوم القيامة وهذا ما أكدت عليه السورة الكريمة.
  • الموت ليس إلا مرحلة يمر بها الإنسان وله مرد إلى جنة أو نار.

لقد أنعم الله علينا بالقرآن العظيم حتى نتدبر آياته ونحمد الله على كل ما رزقنا به ونسأل الله يدخلنا جنان الخلد أجمعين، لذا حريٌ بالمسلم أن يتفقه في مقاصد نزول السور القرآنية ليدرك معانيها.

قد يعجبك أيضًا