التجديد في الشعر العربي في القرن الثاني للهجرة

التجديد في الشعر العربي في القرن الثاني للهجرة كان كبيرًا وعظيمًا، فبتوسع الإسلام ودخول العرب إلى الكثير من الدول والبلدان وتعاملهم مع بعضهم البعض، لم يتغير العرب فقط بل تغيرت اللغة العربية أكثر وتأثرت، حيث كانت لغة غنية بالكلمات والمعاني والألفاظ لكن مع التوسع تعرضت إلى التجديد في الشعر العربي في القرن الثاني للهجرة، وهذا ما سنتطرق إليه من خلال موقع جربها.

التجديد في الشعر العربي في القرن الثاني للهجرة

عُرِف العرب بفصاحتهم وتميزهم البارز في اللغة العربية التي لا يتحدثها غيرهم فأدى هذا التميز إلى اختراعهم لِما يُسمى بالشعر والذي وصفوا فيه حياتهم التي عاشوها، فكانوا يعيشون في عصور الجاهلية في وسط الصحراء فكانت حياة شاقة مجهدة تتوقف فيها أنشطتهم على رعي الغنم ورحلات التجارة من قبيلتهم إلى القبائل المجاورة لهم في شبه الجزيرة.

لذا اقتصر شعرهم على وصف الحياة من حولهم، لكن بتوسع الفتوحات الإسلامية وتعمق العرب داخل بلاد الفرس والروم تعلموا حياة الترفيه والنعيم ورأوا الحدائق الغناء والقصور الواسعة فتغيرت حياتهم التي كانوا يصفونها في شعرهم وترتب على ذلك التجديد في طرق المعيشة والتجديد في الشعر العربي في القرن الثاني للهجرة وتحديدًا في العصر العباسي.

اقرأ أيضًا: أجمل قصائد الشعر العربي الحديث

مظاهر التجديد في الشعر العربي في القرن الثاني للهجرة

هناك العديد من عوامل التجديد في الشعر العربي في القرن الثاني للهجرة والتي تسبب فيها التغيرات التي ظهرت على العرب في القرن الثاني الهجري، وهو يعتبر إحدى مراحل الدولة العباسية التي ساهمت في تجديد الشعر العربي وظهور مفاهيم جديدة، وسنذكر بعضها فيما يلي:

  • تجدد اللغة ودخول ألفاظ جديدة عليها نتيجة إختلاط العرب بالقبائل والشعوب المختلفة.
  • استخدام الشعراء أساليب جديدة ومعاني جديدة بالإضافة إلى إستخدامهم للتراكيب التي تمزج لغة العرب بالعجم، والتي تكونت نتيجة إمتزاج الأعراق الأعجمية بالأعراق العربية الأصلية.
  • تعدد المواضيع التي تحدث فيها الشعراء وإختلاف أغراضها.
  • تغيير الحياة التي كان يعيشها العرب من حياة شقاء وتعب إلى حياة مليئة بالترفيه والراحة مما ساهم في ظهور معاني جديدة تعبر عن الحياة التي عاشوها في العصر العباسي.
  • مع إنتشار ظاهرة المدح والرثاء على السلطان أو الخليفة إنتشرت أشعار المدح والرثاء وكثر إلقاء الشعراء قصائد خاصةً للسلاطين حيث ترتب على ذلك حصولهم على المكافآت والهدايا من السلطان المعني بالشعر.
  • ظهور القصائد ذات البحور القصيرة الراقصة على يد بشار بن برد والذي أضاف تلك البحور القصيرة مع البحور الطويلة، فكان بذلك أحد المساهمين في التجديد في الشعر العربي في القرن الثاني للهجرة.
  • مع كثرة الخمور وإنغماس الناس في الشرب حد السكر وفقدان الوعي بدء الشعراء في إضاعة لغتهم وفصاحتهم في كتابة أشعارهم لوصف الخمر ومتعة شربه والتغني بالنبيذ ولذته.
  • من الأشعار التي إنتشرت حديثًا في هذه الفترة التاريخية أشعار الطرديات وهي أشعار تم إلقائها في حب الصيد وحب الخروج إلى رحلات الصيد.
  • كان الشعراء في عصر ما قبل الإسلام يتغنون في وصف المحبوبة وتنقسم أشعارهم إلى الغزل العفيف والغزل الصريح ولكن بظهور الإسلام قلت تلك الأشعار وتبدلت بأشعار في حب الجهاد وتعظيم المجاهدين في سبيل الله وما أشبه، ولكن مع مرور الوقت وإنحرف المسلمون عن دينهم وإنغمسوا في ترف الحياة فعادت أشعار الغزل للظهور.
  • بسبب ظهور الصراعات بين السلطات والأمراء على الحكم أو على إمارة جيش أو منطقة صغيرة بدء يتخلخل الشعر بعض الأفكار السياسية فهاجم الشعراء من يعارضه، ودافعوا عمن يريدون بطريقة لم تكن موجودة في الشعر من قبل.
  • شهد الشعر تحسنًا بديعيًا وظهر الكثير من الصور البلاغية والمحسنات اللفظية والذي بدأ بإبرازها الشاعر أبي نواس متعمدًا تعليم الشعراء إظهار براعتهم وإبداعهم.
  • ظهور الجرأة في الهجاء وانتشار السخرية في الأشعار بطريقة لم تكن موجودة في قصائد العرب من قبل.
  • ظهور نوع جديد من الشعر وهو ما يدعى بالشعر التعليمي، وهذا النوع يختلف عن غيره من الأنواع حيث وفرة القوافي الشعرية وتنوعها فيه وفي نفس الوقت قلة الصور العاطفية والتصويرية.

الشعر قبل القرن الثاني من الهجرة

الشعر هو من من أكثر الأشياء التي تميزوا بها العرب عن غيرهم من البشر وكان في عصور ما قبل الإسلام تنتشر مجالس الإلقاء ويتنافس الناس بقوة شعرهم وفصاحتهم، فكان فخر الرجل العربي إتقانه للغته وجودة إختياره للكلمات وإلقائه للشعر، ولم يكن الشعر قولًا سهلًا إنما احتاج إلى قوة في اللغة وقدرة على إختيار الكلمات بعناية.

على الرغم من ذلك كَثُر شعراء العرب وبرزوا بكثرة في عصر الجاهلية وعصور ما قبل الإسلام، ومن أشهر شعراء الجاهلية: عنترة ابن شداد، وامرؤ القيس، وقيس بن الملوّح، والنابغة الذبياني، وأبو العلاء المعري، وأبو العتاهية.

أشهر الشعراء في القرن الثاني من الهجرة

مع التجديد في الشعر العربي في القرن الثاني للهجرة كثر الشعراء في تلك الفترة وإشتهروا على نطاقٍ واسع، وربما أكثر ما إشتهر الشعراء في عصر الجاهلية، لذا سنتعرف فيما يلي على بعض هؤلاء الشعراء:

1– أبو العلاء المعري

أبو العلاء المعري هو شاعر وفيلسوف عظيم رغم فقدانه لبصره لم يمتنع عن تحصيل العلم فقد نشأ وتربى على حب العلم والشعر وأصبح من أكبر العظماء في الشعر، كما ساهم تميزه في الأدب العربي بشكل كبير في الإنقلاب الذي أحدثه على التقاليد التي سادت في عصره.

بعد ذلك ساهم في وضعه لتقاليد ثقافية جديدة غير التي وضعها الشعراء من قبله، كما كان لأشعاره التي تحدث فيها عن حياته وتجاربه الشخصية ورؤيته للوجود من وجهة نظره دورًا كبيرًا في عودة الأدب لمكانته العالية في وقت عمَّ فيه الجهل بين الناس.

اقرأ أيضًا: خصائص الشعر في العصر الجاهلي

2– أبو نواس

هو أحد الشعراء الذين ترعرعوا في العراق فقد نشأ في البصرة ثم إنتقل إلى بغداد ثم إلى دمشق ثم إلى مصر وإمتاز بقربه لأمرآء تلك البلاد وبتقربه من السلاطين والخلفاء عن طريق مدحهم في أشعاره، فكانت أشعار المدح من أفضل أشعاره.

بالإضافة إلى أشعار الخمريات التي تتحدث عن الخمر، كما يجدر الإشارة إلى أنه أول من استخدم الطريقة الحضرية في الأشعار مبتعدًا بها عن اللهجة البدوية كما ساهم في تنظيم جميع الموضوعات التي تحدث فيها الشعراء.

3– الشاعر البحتري

كانت بداية الشاعر البحتري مع الشعر من عمر السادسة عشر أو التاسعة عشر حيث لفت بشعره الأول الشعراء كأبي تمام وأعجب به حتى أخذه إلى بغداد حيث مقر الخليفة العباسي فبدأ في كتابة أشعار المدح والثناء للخلفاء.

لذا كان إحدى الشعراء الذين إستطاعوا توثيق علاقتهم مع العديد من الخلفاء العباسيين مثل: الخليفة المعتصم، والخليفة المأمون، والخليفة المتوكل، والخليفة المعتمد، والخليفة المعتضد، حيث عاصر مدة خلافتهم كلهم في حياته.

4– ابن الرومي

كان الشاعر ابن الرومي من أشهر الشعراء في نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجري، إمتاز عن غيره من شعراء قرنه السلاسة والإطناب والعذوبة، كما تميز بكونه مولعًا بالعلم، حيث بدء بالتعلم في مجالس العلماء والفقهاء منذ نعومة أظافره، بالإضافة إلى أنه تعلم الفلسفة وإهتم بتعلم الثقافات العصرية والشعر قديمه وحديثه.

5– بشار بن برد

كان بشار بن برد من إحدى الشعراء الذين تربوا على الشعر بسبب حلقات العلم والشعر التي كان يحضرها ونشأته بين بني عقيل التي ساعدته على النبوغ في اللغة العربية، وبدأ رحلته مع الشعر منذ سن العاشرة وكان أول الموضوعات التي اهتم بها هو الهجاء.

كما تمسك بالتراث الفني والتقليدي مع محاولته في التغيير من شكل القصيدة عن طريق الإكثار من البحور القصيرة بجانب البحور الكبيرة وكان أول من فعلها.

6– الشاعر المتنبي

المتنبي من أشهر وأجود شعراء العصر العباسي بأكمله، عُرِف بشخصيته الغامضة والمميزة، حيث استخدم عبقريته في اللغة العربية في كتابة قصائد وأشعار، أعتنى باختيار الألفاظ والمعاني التي يصعب فهمها على الناس جميعًا وبما فيهم علماء اللغة.

غموض قصائد المتنبي جعلته محل إهتمام للكثير من الشعراء والأدباء حيث اجتهد عالم النحو ابن جنّى والعالم اللغوي ابن سيده بالإضافة إلى الشاعر أبو العلاء المعري في شرح وتفسير أشعاره وقصائده.

اقرأ أيضًا: أبيات شعر عن الصداقة والأخوة لكبار الشعراء

7– أبو تمام

يعتبر الشاعر أبو تمام بأنه أحد أمراء البيان الذي إشتهر شعره حتى وصل إلى الخليفة العباسي المعتصم فطلب قدومه إلى بغداد كي يجازيه على شعره ويعلى شأنه مقارنةً بباقي شعراء عصره، تميز أيضًا بكونه جميل الكلام وبقوة وجودة أشعاره وأكثر مميزاته كانت الفصاحة.
كان الشعر في قديم الزمن من أعظم مفاخر اللغة العربية، وكانت اللغة العربية بنفسها فخر لكل العرب بالرغم من انصراف أبناء اللغة عنها إلى اللغات الغربية وغيرها.

قد يعجبك أيضًا