أشعار أبي فراس الحمداني في الحب والغزل

أشعار أبي فراس الحمداني في الحب والغزل من أجمل قصائد الشعر التي كُتبت عن الحب والغزل من قبل شعراء جيله، حيث إنه كان بارعًا في استخدام اللغة العربية، كما أنه من أصدق الشعراء في الوصف، وسوف نتعرف من خلال موقع جربها على أجمل أشعار أبي فراس الحمداني في الحب والغزل.

أشعار أبي فراس الحمداني في الحب والغزل

يعتبر أبو فراس شاعر وقائد في آنٍ واحد، ولقد كان من الشعراء المتمكنين من شعره، وذلك لأسلوبه المميز، ولقد كتب العديد من القصائد، ولكنه لم يقم بجمعها، ولكن قام “الثعالبي” بالاهتمام بجمع الروميات من شعره في يتيمته، ولقد اشتهر بتنوع الشعر الذي يقوم بتأليفه.

حيث برع في كتابة أجمل أشعار أبي فراس الحمداني في الحب والغزل التي لامست قلوب كل من سمعها، ولم يكن يلقي شعر رغبةً منه في كسب الأموال أو الشهرة أو الجاه، وذلك لأنه كان حاصل بالفعل على كل هذا، كما امتاز الشاعر بتقديمه شعر غزل مرهف الحس والمشاعر.

كما أنها كان يحمل أرق الكلمات في أشعار الغزل خاصته، وعلى الرغم من أنه مات وهو عمره 37 عامًا، إلا أنه نال على كل  هذه الشهرة؛ لبراعتهو   وتمكنه اللغوي ودقة تعبيره، وسوف نقوم بعرضها من خلال الآتي:

1- قصيدة أبيت كأني للصبابة صاحب

لقد اشتهر أبي فراس الحمداني قصيدة لأخيه، ولقد كتبها لأخيه أبي الهجاء “حرب بن سعيد”، يروي له عما حدث له خلال أسره لمدة أربعة أعوام، ويروي أنه يعاني من فراق حبيبته، وكم هو مشتاق إليها، وأنه من لوعة الشوق لم يكن يقدر على النوم أبدًا، وهي كانت محبوبته الأولى، ولكنها جرحت قلبه وألمته، وأنها كانت تلعب به.

كما يصف أن كان مخلص لمحبوبته ولكنها لم تقدر حبه الكبير لها، وأبت أن تكمل معه، وتطرق إلى قول إن الله تعالى هو الذي اقضى بذلك، وأنه ما يحدث حولنا ما هو إلا من قضاء الله ورحمته بنا، وسوف نتعرف على أبيات هذه القصيدة التي تعتبر من أجمل أشعار أبي فراس الحمداني في الحب والغزل من خلال السطور التالية:
“أَبيتُ كَأَنّي لِلصَبابَةِ صاحِبُ

وَلِلنَومِ مُذ بانَ الخَليطُ مُجانِبُ

وَما أَدَّعي أَنَّ الخُطوبَ تُخيفُني

لَقَد خَبَّرَتني بِالفِراقِ النَواعِبُ

وَلَكِنَّني ما زِلتُ أَرجو وَأَتَّقي

وَجَدَّ وَشيكُ البَينِ وَالقَلبُ لاعِبُ

وَما هَذِهِ في الحُبِّ أَوَّلَ مَرَّةٍ

أَساءَت إِلى قَلبي الظُنونُ الكَواذِبُ

عَلَيَّ لِرَبعِ العامِرِيَّةِ وَقفَةٌ

تُمِلُّ عَلَيَّ الشَوقَ وَالدَمعُ كاتِبُ

فَلا وَأَبي العُشّاقِ ما أَنا عاشِقٌ

إِذا هِيَ لَم تَلعَب بِصَبري المَلاعِبُ

وَمِن مَذهَبي حُبُّ الدِيارِ لِأَهلِها

وَلِلناسِ فيما يَعشَقونَ مَذاهِبُ

عَتادي لِدَفعِ الهَمِّ نَفسٌ أَبِيَّةٌ

وَقَلبٌ عَلى ما شِئتُ مِنهُ مُصاحِبُ

وَجُردٌ كَأَمثالِ السَعالى سَلاهِبٌ

وَخَوصٌ كَأَمثالِ القَسِيِّ نَجائِبُ

تَكاثَرَ لُوّامي عَلى ما أَصابَني

كَأَن لَم تَكُن إِلّا لِأَسري النَوائِبُ

يَقولونَ لَم يَنظُر عَواقِبَ أَمرِهِ

وَمِثلِيَ مَن تَجري عَليهِ العَواقِبُ

أَلَم يَعلَمِ الذُلّانُ أَنَّ بَني الوَغى

كَذاكَ سَليبٌ بِالرِماحِ وَسالِبُ

وَإِنَّ وَراءَ الحَزمِ فيها وَدونَهُ

مَواقِفَ تُنسى دُنَهُنَّ التَجارِبُ

أَرى مِلءَ عَينَيَّ الرَدى فَأَخوضُهُ

إِذِ المَوتُ قُدّامي وَخَلفي المَعايِبُ

وَأَعلَمُ قَوماً لَو تَتَعتَعتُ دونَها

لَأَجهَضَني بِالذَمِّ مِنهُم عَصائِبُ

وَمُضطَغِنٍ لَم يَحمِلِ السِرَّ قَلبُهُ

تَلَفَّتَ ثُمَّ اِغتابَني وَهوَ هائِبُ

تَرَدّى رِداءَ الذُلِّ لَمّا لَقيتُهُ

كَما تَتَرَدّى بِالغُبارِ العَناكِبُ

وَمِن شَرَفي أَن لا يَزالُ يُعيبُني

حَسودٌ عَلى الأَمرِ الَّذي هُوَ عائِبُ

رَمَتني عُيونُ الناسِ حَتّى أَظُنُّها

سَتَحسُدُني في الحاسِدينَ الكَواكِبُ

فَلَستُ أَرى إِلّا عَدُوّاً مُحارِباً

وَآخَرَ خَيرٌ مِنهُ عِندي المُحارِبُ

هُمُ يُطفِؤونَ المَجدَ وَاللَهُ موقِدٌ

وَكَم يَنقُصونَ الفَضلَ وَاللَهُ واهِبُ

وَيَرجونَ إِدراكَ العُلا بِنُفوسِهِم

وَلَم يَعلَموا أَنَّ المَعالي مَواهِبُ

وَهَل يَدفَعُ الإِنسانُ ماهُوَ واقِعٌ

وَهَل يَعلَمُ الإِنسانُ ماهُوَ كاسِبُ

وَهَل لِقَضاءِ اللَهِ في الناسِ غالِبٌ

وَهَل مِن قَضاءِ اللَهِ في الناسِ هارِبُ

عَلَيَّ طِلابُ المَجدِ مِن مُستَقِرِّهِ

وَلا ذَنبَ لي إِن حارَبَتني المَطالِبُ

وَهَل يُرتَجى لِلأَمرِ إِلّا رِجالُهُ

وَيَأتي بِصَوبِ المُزنِ إِلّا السَحائِبُ

وَعِندِيَ صِدقُ الضَربِ في كُلِّ مَعرَكٍ

وَلَيسَ عَلَيَّ إِن نَبَونَ المَضارِبُ

إِذا كانَ سَيفُ الدَولَةِ المَلكُ كافِلي

فَلا الحَزمُ مَغلوبٌ وَلا الخَصمُ غالِبُ

إِذا اللَهُ لَم يَحرُزكَ مِمّا تَخافُهُ

فَلا الدُرعُ مَنّاعٌ وَلا السَيفُ قاضِبُ

وَلا سابِقٌ مِمّا تَخَيَّلتَ سابِقٌ

وَلا صاحِبٌ مِمّا تَخَيَّرتَ صاحِبُ

عَلَيَّ لِسَيفِ الدَولَةِ القَرمِ أَنعُمٌ

أَوانِسُ لَم يَنفِرنَ عَنّي رَبائِبُ

أَأَجحَدُهُ إِحسانُهُ فِيَّ إِنَّني

لَكافِرُ نُعمى إِن فَعَلتُ مُوارِبُ

لَعَلَّ القَوافي عُقنَ عَمّا أَرَدتُهُ

فَلا القَولُ مَردودٌ وَلا العُذرُ ناضيبُ

وَلا شَكَّ قَلبي ساعَةً في اِعتِقادِهِ

وَلا شابَ ظَنّي قَطُّ فيهِ الشَوائِبُ

تُؤَرِّقُني ذِكرى لَهُ وَصَبابَةٌ

وَتَجذُبُني شَوقاً إِلَيهِ الجَواذِبُ

وَلي أَدمُعٌ طَوعى إِذا ما أَمَرتُها

وَهُنَّ عَواصٍ في هَواهُ غَوالِبُ

فَلا تَخشَ سَيفَ الدَولَةِ القَرمَ أَنَّني

سِواكَ إِلى خَلقٍ مِنَ الناسِ راغِبُ

فَلا تَلبَسُ النُعمى وَغَيرُكَ مُلبِسٌ

وَلا تُقبَلُ الدُنيا وَغَيرُكَ واهِبُ

وَلا أَنا مِن كُلِّ المَطاعِمِ طاعِمٌ

وَلا أَنا مِن كُلِّ المَشارِبِ شارِبُ

وَلا أَنا راضٍ إِن كَثُرنَ مَكاسِبي

إِذا لَم تَكُن بِالعِزِّ تِلكَ المَكاسِبُ

وَلا السَيِّدُ القَمقامُ عِندي بِسَيِّدٍ

إِذا اِستَنزَلَتهُ عَن عُلاهُ الرَغائِبُ

أَيَعلَمُ ما نَلقى نَعَم يَعلَمونَهُ

عَلى النَأيِ أَحبابٌ لَنا وَحَبائِبُ

أَأَبقى أَخي دَمعاً أَذاقَ كَرىً أَخي

أَآبَ أَخي بَعدي مِنَ الصَبرِ آإِبُ

بِنَفسي وَإِن لَم أَرضَ نَفسي لَراكِبٌ

يُسائِلُ عَنّي كُلَّما لاحَ راكِبُ

قَريحُ مَجاري الدَمعِ مُستَلَبُ الكَرى

يُقَلقِلُهُ هَمٌّ مِنَ الشَوقِ ناصِبُ

أَخي لا يُذِقني اللَهُ فِقدانَ مِثلِهِ

وَأَينَ لَهُ مِثلٌ وَأَينَ المُقارِبُ

تَجاوَزَتِ القُربى المَوَدَّةُ بَينَنا

فَأَصبَحَ أَدنى ما يُعَدُّ المُناسِبُ

أَلا لَيتَني حُمِّلتُ هَمّي وَهَمُّهُ

 وَأَنَّ أَخي ناءٍ عَنِ الهَمِّ عازِبُ

فَمَن لَم يَجُد بِالنَفسِ دونَ حَبيبِهِ

فَما هُوَ إِلّا ماذِقُ الوُدِّ كاذِبُ

أَتاني مَعَ الرُكبانِ أَنَّكَ جازِعٌ

وَغَيرُكَ يَخفى عَنهُ لِلَّهِ واجِبُ

وَما أَنتَ مِمَّن يُسخِطُ اللَهَ فِعلُهُ

وَإِن أَخَذَت مِنهُ الخُطوبُ السَوالِبُ

وَإِنّي لَمِجزاعٌ خَلا أَنَّ عَزمَةً

تُدافِعُ عَنّي حَسرَةً وَتُغالِبُ

وَرِقبَةَ حُسّادٍ صَبَرتُ لِوَقعِها

لَها جانِبٌ مِنّي وَلِلحَربِ جانِبُ

وَكَم مِن حَزينٍ مِثلِ حُزني وَوالِهٍ

وَلَكِنَّني وَحدي الحَزينُ المُراقِبُ

وَلَستُ مَلوماً إِن بَكَيتُكَ مِن دَمي

إِذا قَعَدَت عَنّي الدُموعُ السَواكِبُ

أَلا لَيتَ شِعري هَل أَبيتَنَّ لَيلَةً

تَناقَلُ بي فيها إِلَيكَ الرَكائِبُ”.      
اقرأ أيضًا: أشعار حزينة عن الحياة

2- قصيدة أَبى غَربُ هَذا الدَمعِ إِلّا تَسَرُّعا

تأتي هذه القصيدة لتتحدث في مقدمتها عن أنه قام بإرسال مكتوب إلى ولد عمه سيف الدولة الحمداني، فكانت تشتمل ما قرره مع ملك الروم من الفداء، ولكن قد قام سيف الدولة المرسل إليه الرسالة بالتأخر في الرد، فقام الشاعر بالكتابة إليه يروي هذا الموقف ويعاتبه، وتأتي هذه القصيدة بمعانِ قوية وتجذب القارئ.

حيث نجد في بداية القصيدة نجد أن العاطفة تتغلب على الأبيات، ولتعطي شعور بالتعاطف مع الشاعر وتؤثر به، الأمر الذي يدل على وضوح شخصية الشاعر، حيث ترمز إلى كونه يمتاز بالكرامة والشجاعة، لتظهر أن العاطفة التي تتغلب على كلامه هي السجن الذي مر به في الروم.

كما نجد في القسم الأول من القصيدة يتحدث الشاعر عن الفكرة الرئيسية التي تعتمد على وصف العشق والبكاء الذي يتسبب به الحب واللوعة، كما تأتي في بداية أيضًا مقدمة غزلية مكونة من أفكار جزئية، والتي تتمثل في: إظهار الضعف للحبيب والتعبير عن الشوق، حيث قال الشاعر أنه لا يقدر على تحمل النار التي تشتعل في قلبه من شدة الشوق، حيث لا يقدر على التحلي بالشجاعة والثبات بعد الآن.

الأمر الذي يتبعه البكاء بكل حسرة وهنا يظهر ضعفه، وسوف نسرد لكم باقي أبيات القصيدة التي تعتبر من أجمل أشعار أبي فراس الحمداني في الحب والغزل من خلال الآتي:

1- قصيدة أما لجميل عندكن ثواب

أَبى غَربُ هَذا الدَمعِ إِلّا تَسَرُّعا

وَمَكنونُ هَذا الحُبِّ إِلّا تَضَوُّعا

وَكُنتُ أَرى أَنّي مَعَ الحَزمِ واحِدٌ

إِذا شِئتُ لي مَمضىً وَإِن شِئتُ مَرجِعا

فَلَمّا اِستَمَرَّ الحُبُّ في غُلَوائِهِ

رَعَيتُ مَعَ المِضياعَةِ الحُبَّ ما رَعى

فَحُزنِيَ حُزنُ الهائِمينَ مُبَرِّحاً

وَسِرِّيَ سِرُّ العاشِقينَ مُضَيَّعا

خَليلَيَّ لِم لا تَبكِياني صَبابَةً

أَأَبدَلتُما بِالأَجرَعِ الفَردِ أَجرَعا

عَلَيَّ لِمَن ضَنَّت عَلَيَّ جُفونُهُ

غَوارِبُ دَمعٍ يَشمَلُ الحَيَّ أَجمَعا

وَهَبتُ شَبابي وَالشَبابُ مَضِنَّةٌ

لِأَبلَجَ مِن أَبناءِ عَمِّيَ أَجمَعا

أَبيتُ مُعَنّىً مِن مَخافَةِ عَتبِهِ

وَأُصبِحُ مَحزوناً وَأُمسي مُرَوَّعا

فَلَمّا مَضى عَصرُ الشَبيبَةِ كُلَّهُ

وَفارَقَني شَرخُ الشَبابِ مُوَدَّعا

تَطَلَّبتُ بَينَ الهَجرِ وَالعَتبِ فُرجَةً

فَحاوَلتُ أَمراً لايُرامُ مُمَنَّعا

وَصِرتُ إِذا مارُمتُ في الخَيرِ لَذَّةً

تَتَبَّعتُها بَينَ الهُمومُ تَتَبُّعا

وَها أَنا قَد حَلّى الزَمانُ مَفارِقي

وَتَوَّجَني بِالشَيبِ تاجاً مُرَصَّعا

فَلَو أَنَّني مُكِّنتُ مِمّا أُريدُهُ

مِنَ العَيشِ يَوماً لَم يَجِد فِيَّ مَوضِعاً

أَما لَيلَةٌ تَمضي وَلا بَعضُ لَيلَةٍ

أَسُرُّ بِها هَذا الفُؤادَ المُفَجَّعا

أَما صاحِبٌ فَردٌ يَدومُ وَفاؤُهُ

فَيُصفي لِمَن أَصفى وَيَرعى لِمَن رَعى

أَفي كُلِّ دارٍ لي صَديقٌ أَوَدُّهُ

إِذا ما تَفَرَّقنا حَفِظتُ وَضَيَّعا

أَقَمتُ بِأَرضِ الرومِ عامَينِ لا أَرى

مِنَ الناسِ مَحزوناً وَلا مُتَصَنِّعا

إِذا خِفتُ مِن أَخوالِيَ الرومِ خُطَّةً

تَخَوَّفتُ مِن أَعمامِيَ العُربِ أَربَعا

وَإِن أَوجَعَتني مِن أَعادِيَّ شيمَةٌ

لَقيتُ مِنَ الأَحبابِ أَدهى وَأَوجَعا

وَلَو قَد رَجَوتُ اللَهَ لا شَيءَ غَيرَهُ

رَجَعتُ إِلى أَعلى وَأَمَّلتُ أَوسَعا

لَقَد قَنِعوا بَعدي مِنَ القَطرِ بِالنَدى

وَمَن لَم يَجِد إِلّا القُنوعَ تَقَنَّعا

وَما مَرَّ إِنسانٌ فَأَخلَفَ مِثلَهُ

وَلَكِن يُزَجّي الناسُ أَمراً مُوَقَّعا

تَنَكَّرَ سَيفُ الدينِ لَمّا عَتَبتُهُ

وَعَرَّضَ بي تَحتَ الكَلامِ وَقَرَّعا

فَقولا لَهُ مِن أَصدَقِ الوُدِّ أَنَّني

جَعَلتُكَ مِمّا رابَني الدَهرَ مَفزَعا

وَلَو أَنَّني أَكنَنتُهُ في جَوانِحي

لَأَورَقَ ما بَينَ الضُلوعِ وَفَرَّعا

فَلا تَغتَرِر بِالناسِ ما كُلُّ مَن تَرى

أَخوكَ إِذا أَوضَعتَ في الأَمرِ أَوضَعا

وَلا تَتَقَلَّد ما يَروعُكَ حَليُهُ

تَقَلَّد إِذا حارَبتَ ما كانَ أَقطَعا

وَلا تَقبَلَنَّ القَولَ مِن كُلِّ قائِلٍ

سَأُرضيكَ مَرأىً لَستُ أُرضيكَ مَسمَعا

فَلِلَّهِ إِحسانٌ إِلَيَّ وَنِعمَةٌ

وَلِلَّهِ صُنعٌ قَد كَفاني التَصَنُّعا

أَراني طَريقَ المَكرُماتِ كَما رَأى

عَلِيُّ وَأَسماني عَلى كُلِّ مَن سَعى

فَإِن يَكُ بُطءٌ مَرَّةً فَلَطالَما

تَعَجَّلَ نَحوي بِالجَميلِ وَأَسرَعا

وَإِن يَجفُ في بَعضِ الأُمورِ فَإِنَّني

لَأَشكُرُهُ النُعمى الَّتي كانَ أَودَعا

وَإِن يَستَجِدَّ الناسَ بَعدي فَلا يَزَل

بِذاكَ البَديلِ المُستَجَدِّ مُمَتَّعا“.
فقد قام الشاعر أبي فراس الحمداني بذكر أجمل صفات ابن عمه، وقال إنه كتب هذه القصيدة لأنه كان يتألم ويود مواساة نفسه، كما تقدم بطلب الخير لابن عمه سيف اَلدولة الحمداني، وهي تعد من أجمل أشعار أبي فراس الحمداني في الحب والغزل.

اقرأ أيضًا: أبيات شعر عتاب قوية

شعر أبي فراس الحمداني في الغزل

لقد تميز الشاعر الكبير أبي فراس الحمداني بقوة شعره في الغزل، وذلك لأنها امتاز بالكثير من المميزات الرائعة التي جعلته يقوى في هذا النوع من الشعر، ومنها قدرته على التعبير عن نفسه التي تميل إلى تقدير الجمال، وأنه أسلوبه وجودة شعره في غاية الدقة والبلاغة، وقدرته على التعبير عن مدى أحاسيسه الرقيقة التي يقوم بإبرازها في هذا النوع من الشعر.

كما أنه كان لديه القدرة على التغني في صفاته الحميدة وبراعته في الشعر، وأنه كان فخورًا بمكانته العظيمة التي وصل إليها في عمله كقائد وشاعر في آنٍ واحد، ولقد قام بتأليف حوالي 272 قصيدة شعرية متنوعة، وسوف نتعرف على أهم أشعار أبي فراس الحمداني في الحب والغزل من خلال الآتي:

1- قصيدة أما لجميل عندكن ثواب

بالنسبة لقصيدة أما لجميل عندكن ثواب فهي من قصائد من أهم أشعار أبي فراس الحمداني في الحب والغزل حيث أسرى “سيف الدولة الحمداني”، ابن أخت ملك الروم، ذلك عند طلبه من ملك فك أسره ورفض القيام بذلك، حيث كان الشاعر مأسورًا هو ومجموعة من المسلمون.

لقد قام ملك الروم في هذا الوقت بعرض على أبي فراس الحمداني فك أبن أخته مقابل فك اسره هو فقط، ولكنه رفض هذا، وطلب فك أسر جميع المسلمون، وتم نفي الشاعر إلى القسطنطينية، حيث رفض فك أسره، وتم وصول خبر على لسان ملك الروم، وهو:

رفض سيف الدولة الحمداني فداء ابن اخت ملك الروم به لوحده”، وبالفعل طال أسره كثيرًا، حيث قام بكتابة قصيدة “أما لجميل عندكن ثواب” إلى ابن عمه أمير حلب سيف الدولة الحمداني، وكان يفتخر بنفسه خلال كتابته لهذه القصيدة، وكان يعاتبه كثيرًا بسبب عدم فكه لأسره.

أنه يقوى على تحمل كافة الصعاب ولا يحتاج على أحد فهو يمتاز بالشجاعة التامة، وسوف نتعرف على أبيات هذه القصيدة من خلال التالي:
“أَما لِجَميلٍ عِندَكُنَّ ثَوابُ

وَلا لِمُسيءٍ عِندَكُنَّ مَتابُ

لَقَد ضَلَّ مَن تَحوي هَواهُ خَريدَةٌ

وَقَد ذَلَّ مَن تَقضي عَلَيهِ كَعابُ

وَلَكِنَّني وَالحَمدُ لِلَّهِ حازِمٌ

أَعِزُّ إِذا ذَلَّت لَهُنَّ رِقابُ

وَلا تَملِكُ الحَسناءُ قَلبِيَ كُلَّهُ

وَإِن شَمِلَتها رِقَّةٌ وَشَبابُ

وَأَجري فَلا أُعطي الهَوى فَضلَ مِقوَدي

وَأَهفو وَلا يَخفى عَلَيَّ صَوابُ

إِذا الخِلُّ لَم يَهجُركَ إِلّا مَلالَةً

فَلَيسَ لَهُ إِلّا الفِراقَ عِتابُ

إِذا لَم أَجِد مِن خُلَّةٍ ما أُريدُهُ

فَعِندي لِأُخرى عَزمَةٌ ورِكابُ

وَلَيسَ فِراقٌ ما اِستَطَعتُ فَإِن يَكُن

فِراقٌ عَلى حالٍ فَلَيسَ إِيابُ

صَبورٌ وَلو لَم تَبقَ مِنّي بَقِيَّةٌ

قَؤولٌ وَلَو أَنَّ السُيوفَ جَوابُ

وَقورٌ وَأَحداثُ الزَمانِ تَنوشُني

وَلِلمَوتِ حَولي جيئَةٌ وَذَهابُ

وَأَلحَظُ أَحوالَ الزَمانِ بِمُقلَةٍ

بِها الصُدقُ صِدقٌ وَالكِذابُ كِذابُ

بِمَن يَثِقُ الإِنسانُ فيما يَنوبُهُ

وَمِن أَينَ لِلحُرِّ الكَريمِ صِحابُ

وَقَد صارَ هَذا الناسُ إِلّا أَقَلَّهُم

ذِئاباً عَلى أَجسادِهِنَّ ثِيابُ

تَغابَيتُ عَن قَومي فَظَنّوا غَباوَتي

بِمَفرِقِ أَغبانا حَصىً وَتُرابُ

وَلَو عَرَفوني حَقَّ مَعرِفَتي بِهِم

إِذاً عَلِموا أَنّي شَهِدتُ وَغابوا

وَما كُلُّ فَعّالٍ يُجازى بِفِعلِهِ

وَلا كُلُّ قَوّالٍ لَدَيَّ يُجابُ

وَرُبَّ كَلامٍ مَرَّ فَوقَ مَسامِعي

كَما طَنَّ في لَوحِ الهَجيرِ ذُبابُ

إِلى اللَهِ أَشكو أَنَّنا بِمَنازِلٍ

تَحَكَّمُ في آسادِهِنَّ كِلابُ

تَمُرُّ اللَيالي لَيسَ لِلنَفعِ مَوضِعٌ

لَدَيَّ وَلا لِلمُعتَفينَ جَنابُ

وَلا شُدَّ لي سَرجٌ عَلى ظَهرِ سابِحٍ

وَلا ضُرِبَت لي بِالعَراءِ قِبابُ

وَلا بَرَقَت لي في اللِقاءِ قَواطِعٌ

وَلا لَمَعَت لي في الحُروبِ حِرابُ

سَتَذكُرُ أَيّامي نُمَيرٌ وَعامِرٌ

وَكَعبٌ عَلى عِلّاتِها وَكِلابُ

أَنا الجارُ لازادي بَطيءٌ عَلَيهُمُ

وَلا دونَ مالي لِلحَوادِثِ بابُ

وَلا أَطلُبُ العَوراءَ مِنهُم أُصيبُها

وَلا عَورَتي لِلطالِبينَ تُصابُ

وَأَسطو وَحُبّي ثابِتٌ في صُدورِهِم

وَأَحلَمُ عَن جُهّالِهِم وَأُهابُ

بَني عَمِّنا ما يَصنَعُ السَيفُ في الوَغى

إِذا فُلَّ مِنهُ مَضرِبٌ وَذُبابُ

بَني عَمِّنا لا تُنكِروا الحَقَّ إِنَّنا

شِدادٌ عَلى غَيرِ الهَوانِ صِلابُ

بَني عَمِّنا نَحنُ السَواعِدُ وَالظُبى

وَيوشِكُ يَوماً أَن يَكونَ ضِرابُ

وَإِنَّ رِجالاً ما اِبنَكُم كَاِبنِ أُختِهِم

حَرِيّونَ أَن يُقضى لَهُم وَيُهابوا

فَعَن أَيِّ عُذرٍ إِن دُعوا وَدُعيتُم

أَبَيتُم بَني أَعمامِنا وَأَجابوا

وَما أَدَّعي ما يَعلَمُ اللَهُ غَيرَهُ

رِحابُ عَلِيٍّ لِلعُفاةِ رِحابُ

وَأَفعالُهُ لِلراغِبينَ كَريمَةٌ

وَأَموالُهُ لِلطالِبينَ نِهابُ

وَلَكِن نَبا مِنهُ بِكَفَّيَّ صارِمٌ

وَأَظلَمَ في عَينَيَّ مِنهُ شِهابُ

وَأَبطَأَ عَنّي وَالمَنايا سَريعَةٌ

وَلِلمَوتِ ظُفرٌ قَد أَطَلَّ وَنابُ

فَإِن لَم يَكُن وُدٌّ قَديمٌ نَعُدُّهُ

وَلا نَسَبٌ بَينَ الرِجالِ قُرابُ

فَأَحوَطُ لِلإِسلامِ أَن لا يُضيعَني

وَلي عَنكَ فيهِ حَوطَةٌ وَمَنابُ

وَلَكِنَّني راضٍ عَلى كُلِّ حالَةٍ

لِيُعلَمَ أَيُّ الحالَتَينِ سَرابُ

وَما زِلتُ أَرضى بِالقَليلِ مَحَبَّةً

لَدَيكَ وَما دونَ الكَثيرِ حِجابُ

وَأَطلُبُ إِبقاءً عَلى الوُدِّ أَرضَهُ

وَذِكري مُنىً في غَيرِها وَطِلابُ

كَذاكَ الوِدادُ المَحضُ لا يُرتَجى لَهُ

ثَوابٌ وَلا يُخشى عَلَيهِ عِقابُ

وَقَد كُنتُ أَخشى الهَجرَ وَالشَملُ جامِعٌ

وَفي كُلِّ يَومٍ لَفتَةٌ وَخِطابُ

فَكَيفَ وَفيما بَينَنا مُلكُ قَيصَرٍ

وَلِلبَحرِ حَولي زَخرَةٌ وَعُبابُ

أَمِن بَعدِ بَذلِ النَفسِ فيما تُريدُهُ

أُثابُ بِمُرِّ العَتبِ حينَ أُثابُ

فَلَيتَكَ تَحلو وَالحَياةُ مَريرَةٌ

وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ

وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ

وَبَيني وَبَينَ العالَمينَ خَرابُ“.
يرسل الشاعر هذه القصيدة لأبن عمه في الأسر، ويروي أيضًا في هذه القصيدة عن حبيبته الحسناء، وبرع في التغزل، حيث إنه قام بوصف حبيبته بدقه وتغزل بها، وكيف كانت شديدة الجمال سبحان الخالق، حيث كانت رقيقة جدًا، وأنه لا يؤثر به الأسر ولا على حبه وعشقه لها، وأنه يمتلك عزيمة وقوة على تحمل الفراق الذي مر بها خلال الأسر.

كما أنه ذكر في هذه القصيدة أنه لا يخشى الموت في الأسر وأنه لا يهتم به على الإطلاق، وأنه بمن سوف يثق إذا قام بخذلانه أقرب الناس إليه وهو في الضيق الذي تعرض له، ويصف كم أصبح الناس مثل: الذئاب ينهشون بعضهم البعض، وفي النهاية يصف الشاعر كم هو راضٍ عما حدث له.

حيث يقول إنه يسمع البحر من حوله وهو زخرٍ له، ولقد أثاب بمر العتب، وأن الحياة مريرة، ويا ليته يقدر على إرضاء من حوله، وينهي الأبيات بقوله إنه يتمنى لو أنه بينه وبين ابن عمه عامر بالحب والمودة، وأن يكون بينه وبين العالمين خراب.

اقرأ أيضًا: أبيات شعر عن الصداقة والأخوة لكبار الشعراء

2- قصيدة من لي بكتمان هوى شادن

تعد هذه القصيدة من أجمل أشعار أبي فراس الحمداني في الحب والغزل التي كتبها عن الغزل والحب في أسره، ولقد أبرع في أسلوبه الراقي جدًا في هذه الأبيات، وهي تعتبر من أكثر القصائد على التي أثرت على مسامع كل من استمع إليها، أو قراءتها، وسوف نتعرف على أبيات قصيدة من لي بكتمان هوى من خلال الآتي:
“مَن لي بِكِتمانِ هَوى شادِنٍ

عَيني لَهُ عَونٌ عَلى قَلبي

عَرَّضتُ صَبري وَسُلُوّي لَهُ

فَاِستَشهَدا في طاعَةِ الحُبِّ
يصف الشاعر أبي فراس الحمداني أن كتمانه للحب وشوقه للحبيبة لا يجعله يشعر سوى بألم القلب ولوعته، وإذا قام بإعلام المحبين بصبره على فراق حبيبته وهو في الأسر لمدة سنوات طويلة، لاستشهدوا أهل الحب في الصعاب التي تواجههم في قصص حبهم، وحيث لا يوجد أصعب مما يمر به.

أشعار أبي فراس الحمداني في الحب والغزل من الأنواع التي تألق الشاعر بتأليفها، وهذا لأن أسلوبه قوي وكتابته بليغة ومميزة عن باقي الشعراء في عصره، الأمر الذي جعله يلمع ويشتهر خلال فترة قصيرة جدًا.

قد يعجبك أيضًا