مظاهر النزعة العقلية في العصر العباسي

تعددت مظاهر النزعة العقلية في العصر العباسي لأنه يتميز بالرُقي وطول المدة، حيث إن الدولة العباسية بدأت من 132 هجريًا وأصل الدولة يرجع إلى العباس بن عبد المطلب بن محمد بن عبد الله، وظهرت العديد من مظاهر التجديد في الدولة العباسية في جميع نواحي الحياة ولذلك ومن خلال موضع جربها نوضح مظاهر النزعة العقلية في العصر العباسي.

مظاهر النزعة العقلية في العصر العباسي

بدأت الدولة العباسية عام 132 هجريًا الموافق 749 ميلاديًا على يد العباس بن عبد المطلب عم محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- وذلك من خلال مساعدة العلويين في القضاء على الدولة الأموية وبدء الدولة العباسية.

حيث إن الدولة العباسية تميزت بتدعيم مدارك الأشخاص في ذلك الوقت وذلك من خلال اختلاط الحضارة العربية بالعديد من الحضارات الأخرى مثل الحضارة الفارسية، واليونانية، والتركية، والهندية وذلك الاختلاط أدى إلى زيادة معارف العالم العربي بالعادات والتقاليد الحضارات الأخرى.

بدأت مظاهر النزعة العقلية في العصر العباسي منذ ظهور العديد من الاختلافات في قراءة القرآن الكريم بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لذلك كان يجب وضع نظام وأساسات تخص قراءة القرآن الكريم وذلك من خلال الصحابة الذين كانوا يجلسون أمام النبي قبل وفاته ويستمعون إلى قراءته للقرآن الكريم.

لذلك بدأ هؤلاء الصحابة في نقل تلك القراءات لمن جاء من بعدهم بالإضافة إلى الاهتمام بالفقه والحديث الذي أدى في النهاية إلى تدعيم العلوم الدينية التي ترتب عليها ظهور المذهب المالكي، ويُعد من أول مذاهب الفقه في العصر العباسي.

كما أن امتزاج العرب بالأعاجم أدى إلى فساد اللغة العربية من حيث القراءة والكتابة مما أدى إلى مُحاولة العرب وضع حل لذلك الأمر حتى وصلوا إلى وضع قواعد للغة العربية من خلال معرفتهم بقواعد اللغة اليونانية واللغة السريانية.

تعرف العرب على العلوم الدخيلة من خلال الاختلاط مع اليونانيين، والهنود، والفرس أدى في النهاية إلى وضع أساسيات العلوم الشرعية وتطويرها وذلك من خلال مساعدة النزعة العقلية حيث إن العقل العربي والمصري تحديدًا استفاد بشكل كبير من تطور العلوم الإسلامية والفقه وهذا ما حدث في مظاهر النزعة العقلية في العصر العباسي.

اقرأ أيضًا: أنواع الشعر في العصر العباسي

تطور النزعة العقلية في العصر العباسي

العصر العباسي من العصور التي شهد فيها العالم الإسلامي ثورة علمية لم يسبق لها مثيل من قبل، وتلك الثورة تمثلت في الثورة العقلية، والعلمية، والفلسفية، والأدبية وبسبب ذلك التطور برز العديد من العلماء، والشعراء، والأدباء هذا ما نعرضه من ضمن مظاهر النزعة العقلية في العصر العباسي، ومن هؤلاء العلماء ما يلي:

1- الخوارزمي في الجبر

من أهم هؤلاء العلماء محمد بن موسى الخوارزمي وهو مؤسس علم الجبر الذي يُعد مستقل عن علم الرياضيات، حيث استطاع الخوارزمي أن يكتشف العديد من القواعد في علم الجبر وحاول أن يُطورها حتى يصل إلى اكتشاف قاعدة الخطأين، والمعادلة من الدرجة الثانية بالإضافة إلى أن الخوارزمي يُعد من أول العُلماء الذين وضعوا أول جداول عربية توضح المثلثات.

2- ابن الهيثم

هو أحد أهم عُلماء العرب المسلمين وكان كثير المعرفة والعلوم وكانت من هواياته القراءة والكتابة وكان دائمًا ما يسأل كثيرًا عن العديد من الأمور، وابن الهيثم من العلماء الذين كان لهم دور كبير في علم البصريات حيث إنه أطلق عليه رائد البصريات الأول، وذلك من خلال وضعه مؤلفات مميزة مثل كتاب المناظر.

هو أول من صنع النظارات الطبية التي تُساعد على تحسين النظر بالإضافة إلى اكتشافه قدرة العدسات المُحدبة ودورها في تكبير الرؤية بالإضافة إلى قيام عالم كندي بصُنع نموذج أولي من الكاميرا وبعد ذلك بدأ ابن الهيثم في تطوير هذا النموذج من خلال ابتكار صورة واضحة له بالإضافة بروز ابن الهيثم في خاصية انكسار الضوء.

3- أحمد بن الحسين المتنبي

في نطاق الحديث عن مظاهر النزعة العقلية في العصر العباسي نوضح دور أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي الكندي الذي برز دوره في الشعر العربي، حيث إن سيف الدولة ابن حمدان جاء إلى حلب فذهب له المتنبي وبدأ في مدحه مما أدى إلى بقائه عنده.

بعد ذلك ذهب المتنبي إلى مصر وبدأ في مدح كافور الإخشيدي وطلب المتنبي منه أنه يوليه منصب مُهم ولكن كافور لم يستجيب إلى طلب المتنبي مما أدى إلى انصراف المتنبي عن الإخشيدي، وقد تميز المتنبي بالعديد من الأبيات المهمة والمشهورة التي لازالت موجودة حتى وقتنا هذا.

اقرأ أيضًا: بحث مختصر عن العصر العباسي

4- جابر بن حيان

أبو عبد الله جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي من أهم علماء الكيمياء الذين تميزوا في ذلك المجال، كما أنه يُلقب بالعديد من الألقاب المُختلفة والمتميزة مثل أبو الكيمياء، والقديس السامي التصوف، والأستاذ الكبير بالإضافة إلى أنه من أوائل العلماء الذين وضعوا أسس علمية للكيمياء الحديثة وبسبب شهرته في مجال الكيمياء أطلق عنه برتيلو “إن لجابر بن حيان في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق“.

أسباب النزعة العقلية في العصر العباسي

في نطاق الحديث عن مظاهر النزعة العقلية في العصر العباسي نوضح أهم الأسباب التي على أساسها بدأت النزعة العقلية في الظهور أثناء العصر العباسي، ومن أهم تلك الأسباب ما يلي:

1- إنجازات العباسيين

تطور النزعة العقلية في العصر العباسي أدى إلى إطلاق اسم “الفترة الذهبية للإسلام” على الخلافة العباسية وذلك بسبب ما حدث من تطور ملحوظ في العلوم والمعارف على شتى مجالات العصر العباسي المختلفة، وذلك من خلال استخلاص العلماء المعلومات التي استطاع مترجمي العصر ترجمتها إلى اللغة العربية.

2- الوصول إلى المعرفة

تبعًا للحديث عن مظاهر النزعة العقلية في العصر العباسي اتضح لنا أن الخليفة هارون الرشيد وابنه كان لهم دور كبير في جعل العرب يُحبون المعرفة ويرغبون في تعلمها وذلك من خلال تأسيس دار الحكمة في بغداد وتقديم العديد من المنح الدراسية للراغب في الحصول على العلم.

لقى هارون الرشيد حتفه وتولى ابنه المأمون ولاية الدولة العباسية وفي فترة ولايته زاد الطلب على الالتحاق بدار الحكمة وذلك في الفترة ما بين 813 إلى 833 ميلاديًا وتحديدًا بعد أن تم تعيين العديد من العلماء المشهورين في تلك الدار وهذا ما أدى إلى ذيوع صيتها.

3- تدعيم حركة الترجمة

حركة الترجمة بدأت في الظهور منذ خلافة الراشدين حيث اهتم الراشدين بترجمة النصوص العلمية التي تم كتابتها باللغة اليونانية ولكن بعد تولى الدولة العباسية زمام الأمر تشجعت على تطور حركة الترجمة والاهتمام الزائد بالنصوص اليونانية وخصوصًا أعمال العالم أرسطو في المنطق.

الدولة العباسية اهتمت بترجمة أكبر قدر ممكن من النصوص اليونانية من أجل وضع كافة المعارف في المكتبة الشاملة والمحافظة على الفلسفة اليونانية بالإضافة إلى تركيز اهتمام العباسيين على زيادة معارف العرب من خلال تدعيم وتطوير الطباعة التي استقطبوا فكرتها من دولة الصين عام 751 ميلاديًا.

مظاهر التجديد في العصر العباسي

تميز العصر العباسي بالعديد من مظاهر التجديد التي ظهرت في مُختلف النواحي السياسية، والاجتماعية، والعلمية وما إلى ذلك، وهذا ما نوضحه في النقاط الآتية:

1- الحياة السياسية

الحياة السياسية في الدولة العباسية تميزت بالعديد من المظاهر مثل تغيير العاصمة من دمشق إلى بغداد، وتأثر الدولة العباسية بالثقافة الفرس ولذلك بدأوا في استقطاب نظام الحكم والوزارة عن الدولة الفارسية بالإضافة إلى الشكل الخارجي، والمظهر واللباس الأساسي للوزراء، والقضاة.

كما أن الدولة العباسية بدأت في إعداد العديد من الدويلات الموجودة في كافة أنحاء الدولة العباسية مثل الدولة الحمدانية في الشام، والفاطمية في مصر، والسامانية في فارس.

اقرأ أيضًا: مظاهر التجديد في العصر العباسي

2- الحياة الاجتماعية

في نطاق الحديث عن مظاهر النزعة العقلية في العصر العباسي نشير إلى أنه من العصور التي تميزت بالعديد من المظاهر الاجتماعية وذلك بسبب تطور الحياة الاجتماعية وتقسيمها إلى طبقتين أحدهما تتميز بالثراء والرخاء والأخرى تتميز بالفقر وانعدام الراحة.

الدولة العباسية عملت على تطوير عمليات البناء مثل القصور، والمساجد، والبيوت بالإضافة إلى وضع تزيين عاصمة الدولة العباسية بغداد بمُختلف أنواع الزينة التي لم يتم تزيين أي دولة عربية بها من قبل، بالإضافة إلى ظهور الكثير من مظاهر الترف في الدولة العباسية.

3- الحياة الثقافية

اهتمام العباسيون باللغة العربية أدى إلى زيادة قدرة العرب على فهم الدين الإسلامي وذلك التطور الملحوظ في الحياة الثقافية أدى إلى أن المناصب العليا في الدولة العباسية أصبحت مقتصرة على العالمين والمتأدبين بآداب اللغة العربية.

اهتمام العلماء باللغة العربية من جمع نصوص الشعر الجاهلي ودراسته وذلك من أجل حماية اللغة العربية، ومن أبرز العلماء الذين برزوا في الحياة الثقافية هُم الخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبويه وهُم مؤسسين علم النحو.

4- حركة النقل والترجمة

النقل والترجمة من أكثر الحركات التي ازدهرت في العصر العباسي وذلك من خلال اهتمام الخليفة العباسي المنصور بالترجمة حيث إنه كان نابغًا في علوم الفقه، والفلسفة، والفلك وهو أول من بدأ في مراسلة الروم من خلال إرسال كتاب إقليدس إليهم.

هارون الرشيد له دور كبير في ترجمة الكتب الأجنبية وذلك من أجل رغبته في تدعيم ديوان الترجمة الذي أعده المنصور وذلك بسبب رغبتهم في تقل العلوم بالإضافة إلى ترجمة الكتب الموجودة في أنقرة وذلك من خلال يوحنا بن ماسويه الذي يُعد من أهم المترجمين النابغين في الدولة العباسية.

اقرأ أيضًا: بحث مختصر عن العصر العباسي وكيف نشأت ومراحل تطورها

5- الحياة الأدبية

قد ظهرت العديد من مظاهر التجديد في الحياة الأدبية مثل المديح، والهجاء، والرثاء، والوصف بالإضافة إلى ظهور العديد من أغراض الشعر الجديدة والحديثة مثل الشعر التعليمي، والنوادر، والزهد.
تميز العصر العباسي بسيطرة الدولة العباسية على أراضي كبيرة من الشرق إلى الغرب أدى إلى اختلاطها بالحضارات المختلفة التي ساعدت في تشكيل هويتها.

قد يعجبك أيضًا