هل الزواج من الثانية ظلم للأولى

هل الزواج من الثانية ظلم للأولى؟ وهل يعد الزواج بأخرى دون موافقة الأولى وإصرارها على الرفض حرام أم لا؟ لا يمكننا أن نتجاهل التزايد الملحوظ في نسب تعدد الزوجات، ففي الآونة الأخيرة ضجت ساحات محاكم الأسرة بالكثير من حالات الطلاق، الخلع والمنازعات بسبب التعدد الزوجي وعدم رضا الزوجة على مثل هذه الحياة، فهل الزواج من الثانية ظلم للأولى؟ نُجيبكم عن ذلك عبر جربها.

هل الزواج من الثانية ظلم للأولى؟

جميعنا نعلم أن الإسلام حلل للزوج التعدد الزوجي حتى أربع زوجات، وجاء في ذلك العديد من الآيات والسور القرآنية بالإضافة إلى الأحاديث النبوية الشريفة، ولكن هذا لم ولن يتنافى قط مع قيمة الحياة الزوجية والاحترام الواجب بين الزوجين والذي يتوج بالمودة والمحبة.

فالقيام بشيءٍ حلله الله تبارك اسمه وتعالى جده لا يجب أن يرتبط ارتبطًا سلبيًا مع العلاقات الأسرية والإنسانية، فبئس الحياة التي تُبنى على هدم أُخرى، فالتعدد الذي نصت بإباحته وتحليله العديد من الآيات في القرآن والأحاديث في الأثر الخالد للنبي العدنان لم يتم ذكره إلا وتلته بعض الوصايا مثل العدل والإحسان والمودة وغيرها من المشاعر الطيبة والإنسانية النبيلة.

خاب وخسر من ظن أن الله سبحانه وتعالى قد يُحلل شيء فيه ضرر للبشر، فللتعدد شروط، وله أحكام وأسباب ولا يقوم به إلا من استوفاها جميعها دون تقصير، فليس من المنطق أن يتزوج المرء ليهدم حياةً كانت مستقرة وربما تكللت بالأطفال، فالزواج ارتباط ثقيل بين روحين وجسدين وهو ارتباط مُقدس لا يجب أن يكون هش، ومن الضروري المحافظة عليه ما دام يعود بالنفع والفائدة على الطرفين والأبناء.

لذا لا تعد الإجابة عن سؤال هل الزواج من الثانية ظلم للأولى ثابتة، فهناك بعض الحالات التي يكون فيها الإقدام على مثل هذه الخطوة الظلم كله، وحالات أخرى يكون فيها الزواج الثاني منطقيًا والتعدد واجب ربما، ولكن في الحالتين لا يجب أن تشوب المودة بين الزوجين شائبة، فالأمر نسبي.

مغزى الكلام وفحواه أنه في حال ما لم تجد سبب للتعدد فلا يكفي أن يكون السبب هو مجرد رغبتك فيه، وفي مثل هذه القرارات المحورية من الضروري تحكيم العقل والنظر إلى ما ستخسره مقابل ما ستجنيه من زواجك بأخرى، هل سيهدم ذلك حياتك الأسرية مع الزوجة الأولى؟ هل تستحق زوجتك الأولى ذلك منك؟ هل تحب أن يعيش أبناؤكم مثل هذه الحياة؟

قبل الإقدام على هذه الخطوة التي قد تُغير شكل حياتك وحياة أبنائك وزوجتك تغييرًا جذريًا قد تندم عليه فيما بعد من الواجب أن تُجيب عن جميع الأسئلة أعلاه وتفكر في كافة الجوانب، فالأمر لن يرتبط بك فقط، والمحافظة على شعور كلٍ من زوجتك وأبنائك من الواجبات التي على رب الأسرة القيام بها ليكون في عين من يعولهم جدير بالثقة.

اقرأ أيضًا: هل يندم الرجل بعد الزواج الثاني

التعدد الزوجي… بين الحب والكراهية

في البداية يجب أن نتفق على كون التعدد الزوجي، الزواج والطلاق وكافة هذه المسائل من الأمور الشخصية التي ليس لأحدٍ الحق في البت فيها، ولكن عبر سطور وفقرات مقالنا هذا نستعرض بعض وجهات النظر ونحاول دراسة التعدد وحالاته بشكل موضوعي في محاولة للإجابة عن سؤال هل الزواج من الثانية ظلم للأولى أم لا.

التعدد بالنسبة للزوجة الأولى سيكون ظالمًا من وجهة نظرها في غالب الأحيان، بل أن الزوجة الثانية قد تجد في الزوجة الأولى ندًا لها، فلا غرابة في طلب الزوجة الثانية تطليق الزوجة الأولى في حال ما قمت بالفعل بالتعدد.

الزواج الثاني في الدين والعرف وكل المعايير ليس ظلمًا للزوجة الأولى، ولا عقوقًا للوالدين أو عصيانًا لأوامر الله جلَّ جلاله والعياذ بالله، ولكن في حال ما كانت الزوجة صالحة فالإجابة عن سؤال هل الزواج من الثانية ظلم للأولى هي نعم بالفم الملآن كما يُقال.

السبب الرئيسي من الزواج هو ما جاء في قول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز، وتحديدًا في الآية رقم 21 من سورة الروم الذي جاء فيها: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}

في الآية الكريمة أعلاه نجد السبب والمغزى من الزواج، فالله جعل للرجال نساءً من أضلعهن وأنفسهن كما جاءت السيدة حواء، كما أن المودة والرحمة لها معنيين، المعنى الأول هو الاحترام والحب الذي ينمو بين الزوجين، فالمودة محبة والرحمة شفقة واحترام مغلفين بالاهتمام.

كما جاء أن المودة تعبير عن العلاقة الحميمة بين الزوجين والتي تُعرف باسم الجماع، أما الرحمة فهي نتاج هذا الجماع من أولادٍ وأطفال، ففي حال اجتماع كل تلك المعطيات مع زوجة طيبة تحترمك وتصونك وتهتم بأمور المنزل في علاقة فيها واجبات متبادلة ومشاركة في كل سبلها وجوانبها ما سبب التعدد في هذه الحالة!

الزواج رباط مقدس وفي حال ما كانت زوجتك صالحة، مُحبة وعطوف يجب عليك السعي لإنجاح مشروع العمر المُسمى بالزواج، وإن شعرت بلحظاتٍ من السعادة والفرح في زواجك ستكون الإجابة عن سؤال هل الزواج من الثانية ظلم للأولى هي أن التعدد ظلم لك في المقام الأول

اقرأ أيضًا: الزواج من مطلقة ولها أبناء

شروط التعدد.. بين قول رسول الله وخالقه

هناك العديد من الشروط التي وضعها الإسلام وأوجبها قبل التفكير حتى في التعدد، بل أن التعدد دون تحقيق هذه الشروط سيكون من أشنع صور الظلم وأكثرها قسوة، وهناك العديد من علماء الدين وصفوا القيام بهذه الخطوة دون الالتفات إلى الشروط والمعايير من الأمور المحرمة في الواقع، فحدود الله لا يجب تخطيها، ومن أعدل من الله في حفظ حقوق عباده وصونها.

لذا الآيات التي حلل الله فيها التعدد الزوجي لم تأت خالية من الضوابط والأوامر الإلهية والنصوص التي وضعت ما هو أشبه بالقوانين، فكل مرة جاء فيها ذكر التعدد في القرآن الكريم تبعها ذكر الشروط، ومن صور هذه الآيات ما يلي:

  • {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا} [سورة النساء: الآية رقم 3]

في الآية الكريمة أعلاه ألحق الله تحليله للتعدد من مثنى وثلاث ورباع بالاكتفاء بواحدة في حال ما لم تستطع العدل فيما بينهم، والجدير بالذكر أن هناك أنواع وصور للعدل بين الزوجات، فهناك عدل مادي بأمور ملموسة مثل الاهتمام، المال والوقت، وعدل غير ملموس يمكن استشفافه من الآية الآتية.

  • {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [سورة النساء: الآية رقم 129]

في هذة الآية الكريمة نجد أن الله تبارك وتعالى يذكر أن المرء لا يستطيع أن يعدل بنسبة 100% بين الزوجتين، فالعدل المادي أمر مستطاع من مال وملبس ومسكن وغيره من صور، أما العدل المعنوي والعاطفي فلا مقياس له والعدل فيه سيكون أمرًا صعبًا، ولفظ لا تميلوا كل الميل يأمر الله فيه عباده بالتسوية وعدم حب طرف على حساب إهانة آخر.

اقرأ أيضًا: علامات رغبة الرجل في الزواج الثاني

هل هناك تناقض بين الآية الأولى والثانية؟

من الوهلة الأولى قد يرى المرء أن الآية الأولى تُناقض الثانية، فكيف للمرء أن يعدل بين الزوجتين وفي نفس الوقت لن يعدل بينهما؟ في الواقع يكمن هناك فرق شاسع بين العدل المعني في الآية الأولى والثانية، ففي الأولى يتحدث الله تبارك اسمه وتعالى جده عن العدل القابل للقياس.

قد تجد في الحديث الوارد على لسان أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ضالتك في بيان الفارق، فذكرت السيدة عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم الأمور المادية والقابلة للقياس بالعدل بين نسائه ويقول:

“اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك” في هذا الحديث الشريف صورة من صور المودة، فما يملك المرء هو الماديات، إنما ما يملك الله تبارك وتعالى هو القلب فهو مقلب القلوب، وقول الحبيب المصطفى يحث على عدم المعاملة بسوء حتى وإن القلب مال للغير.

فذلك ما شاع في الآونة الأخيرة للأسف، فنسيان المعروف والعشرة أصبح آفة تنهش بقيادة الشهوات بدن الاستقرار الأسري.

نرى من الآيتين السابقتين أنه على الرغم من أن الله تبارك وتعالى أباح التعدد وحلله إلا أن السور والآيات ذكرت الجانب السلبي بشكل أكبر، وحثت على عدم التعدد في حال الخوف من الظلم وعدم العدل.

فقول الله تبارك وتعالى نفسه يُجيب عن سؤال هل الزواج من الثانية ظلم للأولى، ففي الكثير من الحالات دون الالتزام بالروابط يكون من صور الظلم بلا شك.

الجدير بالذكر أن الإرث الذي تركه الحبيب المصطفى لم يخلُ من الحديث عن واحدٍ من أكثر الأمور الشائكة بين الرجل والمرأة على مر العصور منذ فجر التاريخ ألا وهو التعدد، فجاء على لسان خليل رسول الله أبو هريرة رضي الله عنه في صحيح النسائي أن خير الأنام النبي العدنان قال:

“من كان له امرأتانِ، يميلُ لإحداهُما على الأُخرى، جاء يومَ القيامةِ، أحدُ شقيْهِ مائلٌ” في هذا الحديث الشريف يقول الرسول الكريم أن من يعدد الزواج ولا يعدل بينهما عدلًا ماديًا، أما عن العدل القلبي فهو مستحيل في واقع الأمر، لذا عدم العدل المادي بين الزوجات في حالة التعدد يزيد من عذاب المرء يوم القيامة والعياذ بالله.
بعد الإجابة عن سؤال هل الزواج من الثانية ظلم للأولى لا نجد ما هو أكثر بلاغة من قول ابن الجوزي رحمه الله في هذه المسألة، فقد قال: قد يرى الإنسان امرأة في ثيابها، فيتخايل له أنها أحسن من زوجته، ولا يدري أن حصول أغراضه في الظاهر ربما اشتمل على محن مثل أن تكون الثانية بلا عقل، دين، أو محبة.

قد يعجبك أيضًا