شرح حديث إنما الأعمال بالنيات

شرح حديث إنما الأعمال بالنيات من أهم المعاني التي يجب أن يكون ملمًا بها المسلم، فالدين الإسلامي دين متين يحتاج إلى تعلم وتفقه وبهدوء حتى يُفهم بشكل صحيح ومضبوط، ويشمل الفهم للقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة التي هي المنهج الذي يجب أن يسير به المرء المسلم في حياته، وفيما يلي نتعرف على المزيد من التفاصيل التي تخص هذا الموضوع من خلال موقع جربها.

شرح حديث إنما الأعمال بالنيات

ورد عن النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – العديد من الأحاديث بواسطة الصحابة الكرام، وقد بين فيها عليه الصلاة والسلام الجوانب المختلفة من الدين والتي باتباعها تستقيم حياة الفرد بجانب اتباع تعليمات الله تعالى في القرآن الكريم، فالأحاديث الشريفة بينت العديد من الأوامر والنواهي التي أحلها وحرمها الله تعالى.

في مسألة العبادة والطاعات وكافة الأعمال المختلفة التي يقوم بها المسلم في حياته، ورد عن النبي الكريم الكثير من الأقوال فيها من سنن نقتدي به فيها، وأحاديث مختلفة، وكان من بينها الحديث الذي ورد عن سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – الذي قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول:
إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى فمن كانت هجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ فَهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ ومن كانت هجرتُهُ إلى دنيا يصيبُها أو امرأةٍ ينْكحُها فَهجرتُهُ إلى ما هاجرَ إلىْهِ” [حديث صحيح – صحيح البخاري].
المقصود من قول النبي الكريم أن الأعمال بالنيات أن أي بر أو طاعة يقوم بها المرء يجب أن تسبقها نية بالفعل، فمثلًا عند الذهاب إلى الصلاة لا بد أن تتواجد النية الداخلية قبل الذهاب إلى الصلاة بدون الجهر بهذه النية، وهذا الأحاديث من الأحاديث الجامعة والذي فسره العديد من العلماء، وفيما يلي نتعرف على تفسيره:

1 – تفسير لفظ إنما

عند شرح حديث إنما الأعمال بالنيات نجد أن أول كلمة به هي إنما، وهي كلمة منقسمة إلى جزئين إن وما، وكلمة إن تفيد الإثبات بينما كلمة ما تفيد النفي، وعند علماء الأصول اجتماع التوكيد مع النفي يفيد الحصر أي الجمع، وهنا قصد النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام كافة الأعمال المختلفة التي يقوم بها المرء.

2 – المقصود بالأعمال

ثاني الكلمات عند شرح حديث إنما الأعمال بالنيات هي الأعمال، فما المقصود بالأعمال؟ هي كل فعل يصدر عن المرء من أفعال أو أقوال، ويرى بعض العلماء أن المقصود بالأعمال في الحديث هي كافة الأعمال التي يقوم بها الإنسان، والبعض الآخر يرى أن المقصود بها الأعمال التي تسبقها نوايا والتي هي كالتالي:

  • الأعمال القلبية: الأعمال التي تكون في الخفاء لا يعلم عنها أحد سوى الله مثل التوبة والحب في الله وما شابه من أعمال.
  • الأعمال البدنية: وهي الأعمال التي يقوم بها المسلم في السر والعلن بجسده مثل الصلاة والصوم والحج والزكاة فهذه يشترط لها النية قبل القيام بها، وهناك أعمال وعادات يقوم بها الفرد يوميًا مثل الأكل والشرب والخروج للعمل، هنا لا يشترط وجود النية إلا في حالة كان المسلم يقوم بها ليكتسب القوة والقدرة ليعبد الله فله الأجر والثواب ويشترط النية هنا.

3 – بالنيات

لفظ بالنيات يُعتبر في شرح حديث إنما الأعمال بالنيات أن الباء في أول الكلمة تدل على السبب بمعنى أن تكون النية سبب للعمل أو مصاحبة له، فبوجودها تقوم العبادة، وهي مأخوذة من لفظ نوى أي قصد، وفي الشرع الإسلامي تفسيرها قصد المسلم للقيام بالعمل الفلاني.

محلها القلب فلا يطلع عليها سوى الله تبارك وتعالى، وأوجدها الله حتى يميز بين عباده فيما يفعلون من أعمال وطاعات، فمثلًا قد يصلي المرء طاعة لله أو يُزكي أو غيرها من العباد بغرض طاعة الله وقد يقوم غيره بنفس العبادة ولكن من أجل الرياء ولفت انتباه الناس، فهنا يفرق الله بين عباده الذي منهم يطيع الله ومنهم من يرضي الناس.

4 – شرح لكل امرئ ما نوى

قول النبي- صلى الله عليه وسلم – في هذا الحديث يدل على أن المرء يجازيه الله بحسب نيته، فمن كانت نيته خيرًا نال الخير ومن كانت نيته شرًا نال الشر حتى لو كان العمل في ظاهره طاعة، فمثلًا لا يساوي الله بين العبد الذي يجلس في المسجد لغرض دنيوي وبين من يجلس في المسجد لانتظار الصلاة أو قراءة القرآن.

يترتب على ما سبق ذكره أنه يجب استحضار النية في القلب من قبل المرء المسلم قبل أن يقوم بأي عمل يُحتمل فيه شبهة الرياء أو السعي وراء كسب رضى الناس، كالصلاة والزكاة والحج والصيام، ومن هنا نتعلم أمرين:

  • إن صلاح العبادة من عدمه يتوقف على نية المسلم العابد.
  • الجزاء على الطاعة يترتب على النية التي يضمرها الفرد في نفسه، فالنوايا الصالحة جزائها الخير والنوايا الخبيثة جزائها العقاب من الله.
  • أن كل الأعمال البسيطة المعتادة يمكنها أن تكون طاعة لله تعالى إن اقترن بها النية الصالحة.

5 – شرح آخر جزء من الحديث المتعلق بالهجرة

شرح حديث إنما الأعمال بالنيات يتضمن ذكر الرسول الكريم للهجرة فما المقصود بها؟ في اللغة العربية المقصود بها الترك، وشرعًا يُقصد بها مغادرة الأماكن التي تكثر بها الفتن تجنبًا للوقوع فيها، وفي الدين الإسلامي كان هناك ستة أنواع من الهجرات ألا وهم:

  • هجرة صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد أن أسلموا إلى الحبشة وذلك تجنبًا لإيذاء قريش لهم.
  • هجرة الرسول – صلى الله عليه وسلم – مع صحابته الكرام من مكة إلى المدينة المنورة.
  • هجرة القبائل التي أسلمت في مكة إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – ليتعلموا أمور الدين ليعلموا غيرهم من قومهم، مثل جماعة بني قيس وكان ذلك قبل فتح الرسول لمكة.
  • هجرة من أسلموا في مكة إلى الرسول ليتعلموا منه الدين الإسلامي وعادوا إلى مكة مرة أخرى، مثل الصحابي الجليل صفوان بن أمية – رضي الله عنه -.
  • هجرة وترك ما ينهى عنه الله تبارك وتعالى من ذنوب وفتن ومعاصي، وهي من أعظم الهجرات التي تتضمن مقاومة هوى النفس وتشمل ما سبق من الهجرات، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال: المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه” [حديث صحيح – صحيح البخاري].

كما ذكرنا فإن الأعمال يقترن بها النية، فمن كان يريد أن يهاجر إلى الله ورسوله أي بغرض البعد عن الشهوات وعن الفتن وغيرها من المنكرات التي حرمها الله فهو بذلك نيته صالحة وسيجزيه الله الخير، ومن كانت نيته إلى الدنيا ومفاتنها أو للمصالح المختلفة التي تعود على الإنسان بالنفع فيجزيه الله على قدر نيته.

رُوي عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن سبب قول الرسول لهذا الحديث هو أن أحد الرجال في مكة كان يحب سيدة من المدينة، وعندما تقدم لخطبتها لم تقبل إلا أن يهاجر إلى المدينة إليها، وقد كان فقد هاجر إليها وتزوجها وأُطلق عليه بين الناس مهاجر أم قيس نسبةً إلى اسمها.

اقرأ أيضًا: حديث الرسول عن اختيار الزوجة

أهمية النية

بعد أن تعرفنا على شرح الحديث الشريف وعلى مقاصده، وتعرفنا على النية وضرورتها، يجب أن تعرف على أهمية النية المقترنة بالعبادات، وأهميتها هي كالتالي:

  • شرط أساسي لقبول الطاعة أو العمل الذي يقوم به المسلم، بالتزامن مع شرط الإخلاص فيما يفعله الله تعالى أي بلا أي رياء، وكذلك أن يكون العمل صالحًا أحله الله تعالى.
  • تدخل السعادة على قلب المسلم في الدنيا والآخرة.
  • سببًا في استمرار نيل الأجر والثواب على فعل معتاد والانقطاع عنه بسبب عذر معين، فمن كان ينوي الخروج للحج أو لأي طاعة ومنعه من ذلك المرض كُتب له ثواب هذه الطاعة، فعن أبو موسى الأشعري – رضي الله عنه – أن الرسول – صلى الله عليه وسلم قال -: سَمِعْتُ أبَا بُرْدَةَ، واصْطَحَبَ هو ويَزِيدُ بنُ أبِي كَبْشَةَ في سَفَرٍ، فَكانَ يَزِيدُ يَصُومُ في السَّفَرِ، فَقالَ له أبو بُرْدَةَ: سَمِعْتُ أبَا مُوسَى مِرَارًا يقولُ: قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إذَا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ سَافَرَ، كُتِبَ له مِثْلُ ما كانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا” [حديث صحيح – صحيح البخاري].
  • مضاعفة الأجر على الأعمال السهلة البسيطة.
  • تحول الأعمال المعتادة إلى مصدر للطاعات وكسب الحسنات، كتناول الطعام بهدف القوة لطاعة الله أو الزواج بغرض العفة.

من المهم أن يستحضر العبد النية لله تعالى قبل القيام بأي طاعة، وأن يكون حريصًا على خلو قلبه من أي رياء.

قد يعجبك أيضًا