أحاديث عن فضل نشر العلم

هناك العديد من صور الأحاديث عن فضل نشر العلم التي وردت في السنة النبوية الشريفة على لسان الحبيب المصطفى، كما أن الدين الإسلامي ككل عبر ما أنزله الله من آيات في كتابه العزيز لم يحثنا على شيء بقدر حثه لنا على العلم والتعلم، لذا جئنا اليوم عبر موقع جربها لنستعرض لكم ما جاء من أحاديث عن فضل نشر العلم على لسان الهادي البشير.

أحاديث عن فضل نشر العلم

مُنذ أن أنزل الله الإسلام وأوحى لعبده محمد بن عبد الله به، ورفع مرتبته ليزيده شرفًا على شرف طيب خلقه وعظيم خصاله بأن يكون رسولًا لله تبارك وتعالى مُحملًا بالأمانة التي لم تعرف البشرية كلها أكبر منها تعددت مواضع حث الله جلَّ وعلا ورسوله الأحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ على النهل من العلم النافع قدر المستطاع ومساعدة الناس به.

بالنسبة لي وفي اعتقادي الشخصي لا أجد غرابة في قول إن رسالةُ الإسلام الأولى هي العلم، فالإيمان بالله لا يكون إلا بالعلم والمعرفة، وإدراك عظيم خلقه وقدرته.

كما أن التحلي بالخصال الحسنة والطيبة هو وليد المعرفة بأن هذه هي الفطرة السليمة والطريقة الطبيعية والصحيحة للتعامل بين الناس، والعمل من صور العلم، فيكف لأحدٍ أن يقوم بشيء دون علم طريقة القيام به!

للعلم دروب عدة قد يكون أقلها منزلةً في الواقع ما نجده في الكتب على الرغم من أهميته البالغة، ولكن هل يتعلم المرء أن يكون إنسان سوي قابل للتعلم في بداية الأمر من الكتب؟ أم بالتحلي بالخصال والتسلح بالدوافع لخلق أهداف من التعلم النافع والمفيد فيما بعد؟

ليس هناك ما هو أجمل من امتلاك العلم إلا البدء في تصديره ونشره ونقله مهما صغر هذا العلم أو كبر، وقد ورد في الدرر النبوية والكنوز الأزلية العديد من صور الأحاديث عن فضل نشر العلم.

لكن على الرغم من كل ذلك تجد هناك من يبخل على العطاء ونشر ذلك العلم، وقد قال فيهم الحبيب المصطفى على لسان أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ:

” من سُئل عن علمٍ فكتمه ألجمه اللهُ بلِجامٍ من نارٍ يومَ القيامةِ” فيمكننا أن نستقرئ من الحديث ذنب كتم العلم وفضل نشره، فمن ينشر العلم يفوز الفوز الأكبر في الدنيا والآخرة، وفيما يلي من سطور نستعرض لكم المزيد من صور الأحاديث عن فضل نشر العلم، والتي هي كثيرة بالمناسبة وتشتمل على كل ما يلي:

1- رواية أبو كبشة الأنماري بتحديث ابن العراقي

جاء في طرح التثريب بتحديث أحمد بن عبد الرحيم ابن العراقي واحد من أكثر الأحاديث عن فضل نشر العلم شمولية، فقد ورد على لسان أبو كبشة الأنماري أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:

” أحدِّثُكم حديثًا فاحفظوهُ فقالَ إنَّما الدُّنيا لأربعةِ نفرٍ عبدٍ رزقَهُ اللَّهُ مالًا وعلمًا فَهوَ يتَّقي ربَّهُ فيهِ ويصلُ فيهِ رحمَهُ ويعلمُ للَّهِ فيهِ حقًّا فَهذا بأفضلِ المنازلِ وعبدٍ رزقَهُ اللَّهُ علمًا ولم يرزقْهُ مالًا فَهوَ صادقُ النِّيَّةِ يقولُ لو أنَّ لي مالًا لعملتُ بعملِ فلانٍ فَهوَ بنيَّتِهِ فأجرُهما سواءٌ وعبدٍ رزقَهُ اللَّهُ مالًا ولم يرزقْهُ علمًا يخبطُ في مالِهِ بغيرِ علمٍ لا يتَّقي فيهِ ربَّهُ ولا يصِلُ فيهِ رحمَهُ ولا يعلمُ للَّهِ فيهِ حقًّا فهو بأخبَثِ المنازلِ وعبدٍ لم يرزقْهُ اللَّهُ مالًا ولا علمًا فَهوَ يقولُ لو أنَّ لي مالًا لعملتُ فيهِ بعملِ فلانٍ فَهوَ بنيَّتِهِ فوزرُهما سواءٌ”

شرح الحديث الشريف

في الحديث الشريف أعلاه يحدثنا الهادي البشير فيقول إن البشر في الحياة الدنيا أربعة أصناف وصور، فالجزء الأول منهم هم قومٌ أعطاهم الله العلم والمال، وأفضل الاستخدامات لهذه الحالة هو صلة الرحم والخوف من الله، فمن لديه العلم يُدرك عظيم قدرته، ومن يملك المال وجب عليه صلة رحمه بأطيب ما يكون.

كما هناك صنف آخر أعطاه الله العلم دون المال، فإن عمل بهذا العلم وعلمه للناس كان له ثواب عظيم، وإن تمنى أن يكون لديه من المال ما يمكنه من القيام بما يقوم به أصحاب الأموال من خير وأعمال صالحة فقد أعطاه الله ثواب ما يقوم به أصحاب الأموال بشرط طيب النية وصدقها لله جلَّ وعلا، ويمكنك القول إن ثواب الصنف الأول والثاني سواء.

أما الحالة الثالثة فهي امتلاك المال دون العلم، ومن يمتلك ذلك يضل ضلالًا بعيدًا في حال ما لم يتق الله بما رزقه ويخافه لجهله بقدرة الله تعالى، وقال في هذا الصنف الرسول الكريم أنه النصف الأخبث والأسوأ.

الجدير بالذكر أن وزر الصنف الثالث يتساوى مع الصنف الرابع، فالحالة الرابعة هو صنف لم يمن الله عليه بالعلم أو المال، فيتمنى لو أنه من المال مثل فلان ليعمل مثل ما يقوم به من مفاسد وتحقيق للشهوات، ووزرهما سواء.

من الحديث أعلاه وشرحه يمكنك أن تصل إلى أهمية العلم، فالعلم بإمكانه أن يرفعك إلى أعلى المراتب والدرجات، كما بمقدور غيابه أن يتسبب لك في الشقاء في الدنيا والآخرة، فلك أن تتخيل مدى أهمية نشر العلم وتعليم الناس مما علمك به الله ومنَّ عليك بمعرفته.

يمكننا أن نفهم من الحديث الشريف السابق ذكره والذي يعتبر من أهم الأحاديث عن فضل نشر العلم والعمل به أن العلم رزق وهبة، والمتعلم عليه واجبات يجب أن يقوم بها، وهي من حقوق العباد عليه، فلنشر العلم فضل، كما أن لكتمان العلم واستخدامه بشكل خاطئ ذنب عظيم، ويستوي ثواب من يُعلم الناس مع ثواب الذي يتزكى بماله ويتصدق به.

اقرأ أيضًا: انشاء عن الوفاء للصف الخامس العلمي

2- حديث ابن عمرو بن العاص في صحيح البخاري

روى علينا عبد الله بن عمرو بن العاص بتحديث البخاري في صحيحه الحامل لاسمه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوصانا فقال: “بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً، وَحَدِّثُوا عن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ”

في الحديث الشريف أعلاه وصية من الحبيب المصطفى بنشر ما جاء عنه وما بلغ الناس به، ويمكننا أن نستدل بهذا الحديث ونضعه نصب أعيننا لحثنا على نشر العلم الطيب والنافع، فحاشا لله ألَّا تكون وصية حبيبه المصطفى معطره بالفضل ومزينة بالفوائد، وهذا الحديث من أجمل صور الأحاديث عن فضل نشر العلم والحث على القيام بذلك.

الجدير بالذكر أن الحديث أعلاه فيه وصية بين السطور بعدم استصغار العلوم التي يمكن إفادة الناس بها، ففي قوله الشريف “ولو آية” يعبر عن مدى عظم العلم والمعرفة مهما صغرت المعلومة التي يمكن أن ينشرها المرء، فالعلوم لا تُقاس بميزان الوزن أو عدد الكلمات، بل تُقاس بالفائدة والأثر الطيب، وكم من معلومة بسيطة غيرت حياتنا رأسًا على عقب.

3- نقل ابن مسعود لقول الحبيب المصطفى

جاء في صحيح البخاري بتحديثه أن عبد الله بن مسعود ذكر أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “لَا حَسَدَ إلَّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ علَى هَلَكَتِهِ في الحَقِّ، ورَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الحِكْمَةَ فَهو يَقْضِي بهَا ويُعَلِّمُهَا”، في هذا الحديث الشريف يقول لنا الحبيب المصطفى أن الحسد يجب أن يكون في نقطتين فقط، وهما العلم النافع والمال الصالح.

هذا النوع من الحسد مباح وليس بضار في حال ما كان الهدف منه النظر إلى هذا الشخص كمثل يُحتذى به وترغب في فعل ما يقوم به، فصاحب المال الذي يُنفقه فيما يُفيد يكون قدوة، وصاحب العلم الذي يعلم الناس به مثل يحتذى به، وهذا الحديث يمكن إدراجه من ضمن أفضل الأحاديث عن فضل نشر العلم وأهميته.

اقرأ أيضًا: آيات قرآنية عن المحبة بين الناس

الإسلام… دين العلم الدنيوي والديني

في الواقع أتى الإسلام يشق دربه نحو الغاية الأكبر والأسمى والتي هي التوحيد بالله، والإيقان أن كل ما نراه حولنا ما وُجِدَ عبثًا، ولم يكن لما ضل البشر وعبدوه دون الله يدًا في إنشائه بداية من ذرة الخردل حتى السماوات العُلا، والبشرية وكل ما فيها من غرائز وخصال وتوجهات فكرية وذهنية وأعمال حيوية، فهل للمفعول به أن يُصبح فاعلًا؟

جاء دين الحق مُحملًا بالعلم ومتسلحًا بالأسباب ليكون سراجًا منيرًا لحقبةٍ زمنية أظلم الجهل كافة أوديتها ودروبها، فعصر الجاهلية كان عصرًا يتغذى الجهل على ما تبقى من جيفته العفنة، وما جاء الإسلام إلا ليوضح ما ورائيات الأمور ومسبباتها.

كما اختص الإسلام بأن يزيل بطيب وجوده الآثار والتراكمات السلبية الفكرية منها والمجتمعية التي ترسخت في نهاية المطاف في أذهان جميع من عاش في تلك الفترة إلا من رحم ربي.

ففي المجال الدنيوي أوضح الإسلام الكثير من الحقائق العلمية وقام بتفسير العديد من الأمور المجهولة حولنا، ووجود التفسيرات العلمية في القرآن الكريم لأمورٍ يتم استكشافها بعد عشرات القرون من أكثر ما يجعل البشر يؤمنون بالدين، فمن يمتلك العلم يخشى الله، وقد جاء في الذكر الحكيم القرآن الكريم أن الله تبارك وتعالى قال:

{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [سورة فاطر: الآية رقم 28]، وفي هذه الآية الكريمة يوضح الله تبارك اسمه وتعالت صفاته أن تقاة الله حق التقوى والخشي منه تكون من السمات الأساسية لأصحاب العلم.

لذا كانت وسيلة الإسلام الأولى والأخيرة هي التعريف بالعلوم الدينية والدنيوية، وهذا سبب وجود العديد من الأحاديث عن فضل نشر العلم والتسلح به، ناهيك عن الآيات التي لا تعد ولا تُحصى.

فأعطانا الإسلام الحنيف عبر القرآن الكريم والأحاديث العديدة صور العلم الديني مثل الصلاة والزكاة وفضل كل منهما، بالإضافة إلى حياة ما بعد الحياة وما ستؤول إليه الأمور بعد الموت، فهذا من صور العلم الديني، ناهيك عن الآيات والسور التي أوضحت تفسيرات علمية عدة لم يتم الوصول إليها إلا بعد قرون وعقود عديدة، ومن أمثلة هذه الآيات ما يلي:

الآية رقم 125 من سورة الأنعام

في هذه الآية الشريفة وضح الله لنا حقيقة علمية تم إثباتها بعد سنين طوال من نزولها، وهذه الحقيقة هي أن الأكسجين يقل في نسبته كلما ارتفعنا لأعلى، وهو ما يجعل التنفس أصعب، وجاء في نص هذه الآية ما يلي:

{فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}.

اقرأ أيضًا: أحاديث عن فضل العلم

الآية رقم 88 من سورة النمل

ورد في سورة النمل آية من أكثر الآيات إعجازًا علميًا، وفي هذه الآية استنتاج علمي يوحي بكون الأرض ليست بثابتة عكس ما كان مُعتقد، بل أنها تدور حول نفسها، ويمكن التوصل إلى ذلك من خلال متابعة الجبال، وجاء نص الآية كما يلي: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}.
الجدير بالذكر أن ما تم ذكره أعلاه من آيات وسور بالإضافة إلى صور الأحاديث عن فضل نشر العلم والتعلم والعمل به يعد نقطة في بحر الدين الإسلامي وما حث عليه، وفي النهاية لا أجد ما هو أجمل من قول الحبيب المصطفى ليكون مسك الختام، فقال النبي العدنان “إنما العلم بالتعلم” أي أن نيل العلم لا يُبلغ إلا بالسعي.

قد يعجبك أيضًا