سيرة علي بن أبي طالب

لسيرة علي بن أبي طالب الكثير من الحكايات والعبر، فهو ابن عم رسول الله وعلم من أعلام هذا الدين الحنيف وأصغر الخلفاء الراشدين، تربى في بيت النبوة ونشأ على يدي أشرف خلق الله، فكان له من الحظ ما فاق أقرانه ممن هم في نفس عمره فقد استقى حتى أرتوى من تعاليم النبي الكريم، فهو بطل من أبطال الأمة وصحابي جليل، ومن خلال موقع جربها سنتطرق إلى الحديث عن سيرته العطرة من يوم ميلاده حتى وفاته.

سيرة علي بن أبي طالب

سيرة علي بن أبي طالب حافلة فهو من العشرة المبشرين بالجنة، وكان العالم العابد الزاهد والد أسباط رسول الله وزوج ابنته فاطمة الزهراء، ولنبدأ معًا في سرد المعلومات عن الصحابي العظيم بدايةً من اسمه، وكانت أمه تُسميه أسدًا نسبةً لجده في البداية، لكن عندما عاد أبيه من سفره قام بتسميته علي بن أبي طالب وهو:

علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن عدنان.

أمه هي الصحابية الجليلة فاطمة بنت أسد بن هاشم وهي من قامت برعاية الرسول الكريم بعد وفاة أمه وأبيه بعدما أسند إليها أبو طالب تلك المهمة، وهي من النساء السابقات للإسلام ومن المناصرات له منذ بداية الدعوة.

اختلف العلماء في سنة ولادته فمنهم من قال إنه ولد قبل البعثة بخمسة عشر سنة، ومنهم من قال إنه ولد قبلها بعشر سنين وهذا هو الرأي الراجح، وقد ولد في مكة وقيل ولد في جوف الكعبة، لكن من المتعارف عليه بين المسلمين أنه ولد في قبيلة قريش وكانت أعظم قبيلة في مكة حيث كان لها السيادة.

لأن لغتهم كانت فُصحى وواضحة دون تعقيد كانت هي اللغة السائدة، وكان من قبيلة بني هاشم وهي أشرف قبيلة في قريش لمكانتها وإنسانيتها لوقوفها أمام الظالمين ومناصرة المظلومين، وكان الجد عبد المطلب متوليًا أمر إطعام الحجاج واستقبالهم ووليًا على بئر زمزم، وكان مشرفًا في قومة برغم أنه لم يكن أكثرهم مالً.

اقرأ أيضًا: كيف مات زكريا عليه السلام

نشأة علي بن أبي طالب

نستكمل معًا في سرد المعلومات حول سيرة علي بن أبي طالب، ونشأ علي في كنف رسول الله حيث إن قريش في ذلك الوقت كانت تمر بأزمات مالية، حينها اقترح الرسول الكريم على عمه العباس وكان ذا مال بأن يأخذوا من أبي طالب بعض أبنائه ليخفف عنه تلك الأزمة التي يمر بها.

سمع العباس لكلام الرسول وأخذ جعفر بن أبي طالب وظل عنده حتى أسلم وأخذ سيدنا محمد، وظل علي في بيت الرسول حتى أسلم وسار على نهجه.

إسلام على ابن أبي طالب

دخل علي رضي الله عنه وهو صغير على النبي والسيدة خديجة فرآهم وهما يصليان فتعجب من فعلهما وسأل الرسول الكرم فحكى له الرسول عن أمر الإسلام، فقال له أنه مرسل من عند الله ليدعو الناس لعبادة الله وحده لا شريك له، فتعجب علي من أمر هذا الدين وأراد أن يخبر أبوه لكن الرسالة كانت ما زالت في بدايتها فطلب منه عدم الإفصاح.

في اليوم التالي جاء علي وأراد أن يدخل في هذا الدين الذي وقع حبه في قلبه وأسلم، وكان علي أول من أسلم من الصبيان؛ ومن سيرة علي بن أبي طالب وشجاعته التي لا مثيل لها أنه نام مكان رسول الله بأمر منه عندما أجتمع الكفار أمام دار الرسول وهموا بقتله حتى يتفرق دمه بين القبائل.

حيث تدثر ببردة الرسول ونام مكانه حتى لا يعرف الكفار بذهاب رسول الله، فقد كان أول فدائي في الإسلام، وبعد ذهاب الرسول للهجرة مع صاحبه أبي بكر الصديق دخل الكفار المجتمعون أمام بيت الرسول، تفاجئوا بعلي رضي الله عنه فتعجبوا لأنهم لم يروا خروج النبي فقد أغشى الله على قلوبهم وأعينهم.

حياة على بن أبي طالب

تجلت شجاعة علي رضي الله عنه في غزوة الخندق عندما خرج عليهم أحد المشركين وكان اسمه عمرو بن ود، وكان يتفاخر بنفسه وكان من أبرز الفرسان المشهورين لدى المشركين، وطلب من المسلمين أن يتقدم أحد لمبارزته وهو مقنع بالحديد فلم يرد عليه أحد فخرج عليه علي وقال: أنا لها.

لكن عمرو قال له: أنا أكره أن أقتلك لأن والدك كان لي صديق، فقال له علي: أما أنا فأحب أن أقتلك، فتبارزا وأرداه عليًا قتيلًا وأنشد علي رضي الله عنه، إضافةً إلى ذلك شهد علي رضي الله عنه الغزوات كلها عدا غزوة تبوك، لأن الرسول قد ولاه على أهله فحزن علي فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (أمَا تَرضى أن تكونَ منِّي بمنزلةِ هارونَ من موسى إلَّا أنَّهُ لا نبيَّ بعدي).

ذُكر في سيرة علي بن أبي طالب والتي تدل على منزلته العالية في يوم خيبر بعد أن تجمع كل أعداء الإسلام على المسلمين وكان عددهم حينئذ قليل وحاصروهم، أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قال:

“لأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسوله وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسولُهُ قالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يعطياها، قالَ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يعطياها، فَقالَ أَيْنَ علي بنُ أَبِي طَالِبٍ فَقالوا: هو يا رَسولَ اللهِ، يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، قالَ فأرْسِلُوا إلَيْهِ، فَأُتِيَ به، فَبَصَقَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في عَيْنَيْهِ، وَدَعَا له فَبَرَأَ، حتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ به وَجَعٌ، فأعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقالَ علي: يا رَسولَ اللهِ، أُقَاتِلُهُمْ حتَّى يَكونُوا مِثْلَنَا، فَقالَ: انْفُذْ علَى رِسْلِكَ، حتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بما يَجِبُ عليهم مِن حَقِّ اللهِ فِيهِ، فَو َاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لكَ مِن أَنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ”.

هجرة علي بن أبي طالب

لم يُهاجر علي مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليس لأنه تخلف بل لأنه بقي حتى ينتهي من رد الأمانات التي كانت عنده لأهلها، وهاجر بعد رسول الله بثلاث ليال وقيل إنه أصطحب في ركبة فاطمة أمه وفاطمة زوجته وفاطمة ابنة عمه حمزة.

سار علي على طريق رسول الله وكان يتخفى في النهار ويسير في الليل حتى تورمت قدماه وسالت منها الدماء، أستمر على ذلك حتى قابل النبي عند عمرو بن عوف عند وصوله للمدينة ومسح له عليها حتى برأت وبعدها نزل في بيت أم كلثوم بن الهدم.

اقرأ أيضًا: سيرة ونسب وأولاد عم الرسول صلى الله عليه وسلم

زواج علي بن أبي طالب من فاطمة

من سيرة علي بن أبي طالب أنه أراد الزواج من فاطمة بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- لكنه لم يستطيع الإفصاح عن طلب يدها كونه لا يملك ما يليق بمنزلة الزهراء، بعد تقدم أبي بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف لخطبتها.

قالت له خادمته: أتعرف أن فاطمة قد خطبت؟ فقال: لا، قالت: وما يمنعك أن تذهب لرسول الله فيزوجها لك؟ فقال لها: ليس عندي شيء أتزوج به، قالت له: إن ذهبت لرسول الله زوجك إياها، فذهب علي لبيت الرسول وذُكر أن الحديث الوارد كالآتي:

“قال : مرحبًا وأهلًا ، لم يزدْه عليها ، فخرج علي رضي الله عنه إلى أولئك الرهطِ وهم ينتظرونَه ، قالوا : ما وراءَك ؟ قال : ما أدري غيرَ أنه قال لي : مرحبًا وأهلًا ، قالوا : يكفيك من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، أعطاك الأهلَ وأعطاك المرحبَ ، قال : فلما كان بعدما زوجَّهُ قال : يا علي إنه لا بدَّ للعروسِ من وليمةٍ ، فقال سعدٌ : عندي كبشٌ ، وجمعَ له رهطٌ من الأنصارِ أصوُعًا من ذرةٍ ، فلما كان ليلةَ البناءِ قال : يا علي لا تُحدِثْ شيئًا حتى تلقاني ، فدعا النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بماءٍ، فتوضَّأَ منه، ثم أفرغَه على علي رضي الله عنه، ثم قال: اللهمَّ بارك فيهما، وبارك لهما في شِبلَيْهِما“.

عقد على فاطمة علي في السنة الأولى من الهجرة ودخل بها في السنة الثانية من الهجرة، ولم يتزوج علي -رضي الله عنه- سوى السيدة فاطمة طوال حياته.

إخوة علي بن أبي طالب

كان لعلي من الأخوة الذكور ثلاث هم: طالب وعقيل وجعفر، وكان الفارق بينهم عشر سنوات فبين طالب وعقيل عشر وكذلك الفرق بين عقيل وجعفر وبين جعفر وعلي، أما عن البنات فكان لديه أختان فقط وهم: أم هانئ وجمانة، وجميعهم أشقاء من فاطمة بنت أسد.

أبناء علي بن أبي طالب من فاطمة

استكمالًا في الحديث عن سيرة علي بن أبي طالب، نتطرق إلى معرفة أبنائه، حيث كان لعلي خمسة أبناء، ثلاثة من الذكور واثنتان من الإناث من فاطمة، أما بعد وفاة فاطمة أنجب علي خمسة عشر ابنًا من زواجه بعد فاطمة، وهم كالآتي:

  • الحسن: ولد سنة 3 هجريًا يوم 15 من رمضان وتوفي سنة 50 من الهجرة ولقب بسيد شباب أهل الجنة.
  • الحسين: ولد في السنة الرابعة من الهجرة في اليوم الخامس من شهر شوال وتوفي في سنة 61 ولقب بسيد شباب أهل الجنة.
  • محسن: توفى مباشرة عقب الولادة.
  • زينب: لقبها زينب الكبرى وتزوجت من عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
  • أم كلثوم: ولدت سنة 6 هجريًا تزوجت من عمر بن الخطاب وأنجبت ولدًا وبنتًا.
  • أما لأبنائه من نساء غير فاطمة هم: العباس وجعفر وعبد الله وعثمان ويحيي ومحمد وأبو بكر وعبد الله وعمر ورقية ومحمد الأوسط ومحمد بن الحنفية ورملة وأم الحسن وجارية.

خلافة علي بن أبي طالب

حدث انقسام بعد مقتل عثمان بن عفان على من أحق بالخلافة فبعضهم قال علي بن أبي طالب والبعض قال معاوية بن أبي سفيان، فتوجه بعض الناس لسيدنا علي بعد حدوث ذلك الفراغ السياسي حتى لا تتشتت الأمور السياسية أكثر، ولم يكن لعلي رغبة في تولي الخلافة، فخاف الناس من حدوث فتنة فاضطر علي رضي الله عنه بقبول بيعتهم.

قام بذلك حتى يحاول وأد تلك الفتنة التي تأججت بسبب اختلاف الناس على من أحق بالخلافة وانقسامهم، لكنه أشترط أن تتم البيعة على الشورى وتحكيم أهل بدر خوفًا من توسيع دائرة الفتنة بين الناس، ولكن كثير منهم تراجعوا واعتذروا عن مجلس الشورى بسبب التهديدات التي تعرضوا لها على يد الخوارج والزبيريين وطوائف عديدة.

أصبح علي هو الخليفة للمسلمين بعد أن بايعه كبار الصحابة والمهاجرين و الأنصار وخرج معاوية وظل بعيدًا عن المبايعة، وكانت سيرة علي بن أبي طالب تلك الفترة معروفه بحسن خلقه، وكرمه، وزاد من قوة المسلمين.

حقيقة خلاف علي ومعاوية رضي الله عنهما

لم يكُن الخلاف بين علي ومعاوية -رضي الله عنه- مبني على أساس خلاف شخصي أو غيره سياسية كما أشاع أصحاب بعض المدلسين، بل كان الخلاف حول أن معاوية يريد القصاص من قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأراد علي رضي الله عنه عدم القصاص لتفرقهم في الكثير من القبائل فتركهم حقنًا للدماء.

بعد كثير من المفاوضات بين علي ومعاوية، استقر الثنائي على الهدنة حقًا لدماء المسلمين، لكن هذا لم يعجب جميع جيش علي رضي الله عنه، وانقسم الناس في الجيش إلى فريقين، فريق قبل بذلك التحكيم ووافق علي بن أبي طالب لِما وصل إليه مع معاوية بن أبي سفيان.

أما الفريق الثاني سُمي بالخوارج ونزلوا في منطقة الحرورية، ولم يرضوا بالتحكيم ولم يقبلوا بما وصل إليه علي مع معاوية بل أرادوا قتل معاوية بن أبي سفيان، وقاموا بتكفير علي رضي الله عنه، ثم انقسموا لثلاثة أقسام، قسم رجع لبيته، وقسم انتظر ليشاهد الأحداث، وقسم الثائرين.

لم يجد علي رضي الله عنه مخرجًا سوى محاربتهم بعد نشرهم الفتنة بين المسلمين وازدياد عددهم، واتهامهم له بالكُفر، ورفضهم كل سبل التفاوض والدخول تحت إمارته مرة أخرى لكن أَبَوا، فحاربهم علي إلى أن قُتل منهم من قتل وفر الآخرين، وكانت تلك المعركة في السنة الثامنة والثلاثون من الهجرة.

لكن لم يتوقف الخوارج عند هذا الحد بل اتفقوا ووزعوا أنفسهم على قتل الإمام علي رضي الله عنه وقتل معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، حيث اعتبروا هؤلاء الأئمة سببًا فيما حدث من فتن والحقيقة أنه لا يوجد سبب غيرهم، واستمرت الخلافة أربع سنوات وتسعة أشهر قبل حدوث الفتنة الكبرى.

اقرأ أيضًا: بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم والدعوة السرية

وفاة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

تم قتل علي كرم الله وجهه أثناء خروجه من بيته لذهابه لإقامة صلاة الفجر، فعندما كان ينادي في الناس الصلاة الصلاة إذ هجم عليه أحد الخوارج يُدعى بن ملجم، في الواحد والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، وقد بلغ علي رضي الله عن من العمر 58 عامًا، وفي بعض الروايات بلغ 63 عامًا.

بعد فترة خلافة امتدت لخمس سنوات إلا ثلاثة أشهر، وشهد له الكثيرين بحسن الخلق والكرم، وكان لفترة خلافة سيرة علي بن أبي طالب دور كبير في نشر الدعوة، وتوحيد المسلمين.
كان علي بن أبي طالب يحب النبي ووصلت شجاعته للفداء بروحه من أجله، وقد كانت حياته حافلة بالشجاعة والكثير من الرضى، فيجب أن يكون أمثال سيرة علي بن ابي طالب هم قدوة شبابنا اليوم.

قد يعجبك أيضًا