أشعار المتنبي في العتاب

أشعار المتنبي في العتاب من أجمل الأشعار المليئة بالمشاعر والحب، حيث كانت تشتهر أشعاره المختلفة بالرقي وملامسة القلب والكلام البديع، بجانب سهولة ألفاظه، كما أن أشعار المتنبي حائزة على اهتمام الكثيرين وفي تنقل دائم بينهم، لذلك من خلال موقع جربها سنقوم بسرد مجموعة من أفضل أشعار المتنبي في العتاب.

أشعار المتنبي في العتاب

هو أبو الطيب المتنبي، واحد من أشهر الشعراء العرب الحائز على إعجاب الملايين، تميز المتنبي بالبلاغة والفصاحة وقوة الشخصية، وحبه واعتزازه بشعره الفريد، فمن الجير بالذكر أن أشعار المتنبي تلمس القلوب من فرط المشاعر النبيلة وقوة التعبير.

  • ولد المتنبي عام 1907 وهو عراقي الجنسية وتوفاه الله عام 1902
  • نشأة المتنبي بدأت بالكوفة في العراق، ولكنه تنقل بين العديد من البُلدان ومن بينهم مصر.
  • حاز المتنبي على ثقة الملوك والأمراء وحبهم الكبير لشعره، في المقابل كان يحصل على العديد من الهدايا والأموال.
  • تتنوع قصائد المتنبي حيث تبلغ قرابة 326 قصيدة ما بين العتاب والمدح والرثاء والهجاء.
  • تتميز أشعار المتنبي في العتاب بالرُقي والعظمة والكلمات العذبة والمعاني العميقة.
  • شارك المتنبي سيف الدولة في العديد من المعارك، كما كنت عنها العديد من القصائد.

اقرأ أيضًا: أجمل ما قاله المتنبي  

1- قصيدة “واحر قلباه”

من أفضل أشعار المتنبي في العتاب التي يوجه بها حديثه إلى سيف الدولة، حيث بدأ القصيدة بالتعبير عن حزنه وألم قلبه، لينتقل إلى المدح ومن ثم العتاب، كما أظهرت أشعار المتنبي في العتاب بتلك القصيدة إلى التهديد بالرحيل، كما قام بطعن الشعراء من حوله، وهي من القصائد المرتبطة بأدب الصداقة، حيث قال:

وَاحَرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ

 وَمَنْ بجِسْمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ

 ما لي أُكَتِّمُ حُبّاً قَدْ بَرَى جَسَدي

 وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلةِ الأُمَمُ

تميز المتنبي في قصائده المختلفة لسيف الدولة بمدحه له، فبدأ القصيدة يُقدم له الثناء والمدح والتعبير عن شيم أخلاقه ونبله، حيث كان من أحسن الناس اخلاقًا وشجاعة.

أكُلّمَا رُمْتَ جَيْشاً فانْثَنَى هَرَباً

 تَصَرّفَتْ بِكَ في آثَارِهِ الهِمَمُ

عَلَيْكَ هَزْمُهُمُ في كلّ مُعْتَرَكٍ

 وَمَا عَلَيْكَ بهِمْ عارٌ إذا انهَزَمُوا

ثم توجهت كلمات المتنبي لمدح قوة سيف الدولة وقدرته وبسالته أثناء خوض المعارك والحروب، حيث يُبين مدى صلابته والتخلص من الإعداء وسحقهم والانتصار عليهم.

 يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي

 فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ

أخذت كلمات المتنبي بالتوجه نحو العتاب إلى سيف الدولة حيث يوضح مدى عدالته مع الناس اجمعين سواه، فتميزت الأبيات بقوة التعبير ومقدرته على إيصال مشاعره من خلال الكلمات الصريحة ذات سمع سلس.

انَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي

 وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ

 أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا

 وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ

 وَجاهِلٍ مَدّهُ في جَهْلِهِ ضَحِكي

 حَتى أتَتْه يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ

إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً

فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ

ثم بدأ المتنبي بالفخر بنفسه في الأبيات، حيث تعتبر من أبرز وأشهر الاشعار في المدح، فوصف المتنبي نفسه ومدى اعتزازه وفخره بكلماته وشخصيته، وأنه مميز عن سائر شعراء جيله، حيث بدت فخره وعزته حين وصف أن الناس حين تنام تُفكر في أشعاره، بينما هو يكتبها بسهولة وبساطة وعزوبة، في حين أن الشعراء الآخرين يسهرون الليالي في كتابة أشعارهم التي لا تُقارن بجمال شعره.

الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني

 وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ

كرر المتنبي فخره بنفسه حيث وصف شهرته أنه شائعة إلى حد الصحراء والخيول، كناية عن جمال شعره، وأن فصاحته وحكمته وذكائه استطاع من خلالهم أن القلم والقرطاس يعرفه، فجاءت الأبيات استعارة مكنية حيث صور القرطاس والقلم على أنهم إنسان لديه عقل ليفكر ويعلم.

شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ

 وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ

وَشَرُّ ما قَنّصَتْهُ رَاحَتي قَنَصٌ

ثم يعيد المتنبي مرة أخرى عتابه إلى سيف الدولة ويوصف المه وحزنه ثم يُعبر له إن كانت المشاعر الأليمة التي يشعر بها كانت مصدر سعادة له، فهو يشعر بالرضا ولا يحزن، ثم يتجه إلى الفخر بنفسه مرة أخرى ووصفها خالية من العيوب، واتجهت القصيدة إلى الكلمات الجميلة ووصف المدينة التي تخلو من الأصدقاء.

إِن كانَ يَجمَعُنا حُبٌّ لِغُرَّتِهِ

 فَلَيتَ أَنّا بِقَدرِ الحُبِّ نَقتَسِمُ

أُعيذُها نَظَراتٍ مِنكَ صادِقَةً أ

أن تَحسَبَ الشَحمَ فيمَن شَحمُهُ وَرَمُ

يُعبر المتنبي قائلًا إن كان ما يجمعهم هو حب الدولة، يا ليت أن يتقاسمه عطاياه بمقدار محبتهم له، ثم وصف الورم أنه سمنة والمرض صحة عافية.

وَما اِنتِفاعُ أَخي الدُنيا بِناظِرِهِ

 إِذا اِستَوَت عِندَهُ الأَنوارُ وَالظُلَمُ

وصف المتنبي الإنسان الحكيم عليه أن يُفرق بين النور والظلمات، مشير إلى سيف الدولة الذي لابد أن يُفرق بينه وبين غيره من الأشخاص.

يا مَن يَعِزُّ عَلَينا أَن نُفارِقَهُم

 وِجدانُنا كُلَّ شَيءٍ بَعدَكُم عَدَمُ

 ما كانَ أَخلَقَنا مِنكُم بِتَكرُمَةٍ

 لَو أَنَّ أَمرَكُمُ مِن أَمرِنا أَمَمُ

عاد المتنبي مؤكدًا على حزنه وألمه لترك البلاد وسيف الدولة، موضحًا له حتمية الاهتمام به وإكرامه، فهو يشعر أنه غير قادر على فراق سيف الدولة.

إِن كانَ سَرَّكُمُ ما قالَ حاسِدُنا

 فَما لِجُرحٍ إِذا أَرضاكُمُ أَلَمُ

وَبَينَنا لَو رَعَيتُم ذاكَ مَعرِفَةٌ

 إِنَّ المَعارِفَ في أَهلِ النُهى ذِمَمُ

يوجه المتنبي كلامه إلى الحاقدين والحاسدين إن كان خلافه مع سيف الدولة أسعدهم فهو راضي عن هذا الألم، ووضح أن المعرفة والحكمة التي تجمع بينه وبين سيف الدولة لن يفهمها إلا الأشخاص العقلاء المتمتعين برجاحة العقل.

كم تَطلُبونَ لَنا عَيباً فَيُعجِزُكُم

 وَيَكرَهُ اللَهُ ما تَأتونَ وَالكَرَمُ

لَيتَ الغَمامَ الَّذي عِندي صَواعِقُهُ

 يُزيلُهُنَّ إِلى مَن عِندَهُ الدِيَمُ

عادت أبيات المتنبي إلى عتاب سيف الدولة، موضحًا له أن العيوب التي يصفها به غير موجودة، وكم يتمنى نزول المطر كإشارة إلى رضا سيف الدولة عليه، فهو لا ينال إلى غضب سيف الدولة.

لئِن تَرَكنَ ضُمَيرًا عَن مَيامِنِنا

 لَيَحدُثَنَّ لِمَن وَدَّعتُهُم نَدَمُ

 تَرَحَّلتَعَن قَومٍ وَقَد قَدَروا

أَن لا تُفارِقَهُم فَالراحِلونَ هُمُ

 هَذا عِتابُكَ إِلّا أَنَّهُ مِقَةٌ

قَد ضُمِّنَ الدُرَّ إِلّا أَنَّهُ كَلِمُ

يؤكد المتنبي على سيف الدولة أنه سيندم نتيجة تركه له، ومن ثم بدأ المتنبي بحديث النفس قائلًا إذا كنت اخترت الابتعاد عن قوم فأنت بيدك أنت تكرمهم حيث أنت الذي اخترت الفراق، ثم وضح المتنبي أن كلمات القصيدة عتاب لسيف الدولة محبًا فيه، حيث إن العتاب يصير بين الأحباب.

اقرأ أيضًا: لماذا سمي المتنبي بهذا الاسم ؟ وما هي قصة حياته ؟

2- قصيدة “عدت يا عيد”

من أشعار المتنبي في العتاب التي قام بكتابتها أثناء هجره من بلده وخلافه مع سيف الدولة، فبعد قيامه بكتابة قصيدة واحر قلباه، قام بكتابة هذه القصيدة أيام عيد الأضحى المبارك للتعبير عن عتابه له وحزنه الشديد عن تركه للبلاد في هذه المناسبة بعد عدم استجابة صاحب النداء، فأصبحت واحدة من أجمل اشعار المتنبي في العتاب حيث قال:

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ

بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ

بدأ المتنبي قصيدته بتوجيه سؤاله إلى العيد كأنه إنسان به عقل ويتكلم، يسأله عن أحواله وإن كان يأتي بأحداث جديدة له سعيدة أم سيأتي له بأحداث حزينة كالعادة.

أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ

فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ

لَولا العُلى لَم تَجُب بي ما أَجوبُ بِها

وَجناءُ حَرفٌ وَلا جَرداءُ قَيدودُ

وَكانَ أَطيَبَ مِن سَيفي مُضاجَعَةً

أَشباهُ رَونَقِهِ الغيدُ الأَماليدُ

ثم بدأ المتنبي بوصف حزنه وألمه نتيجة ابتعاده عن الأحبة وكم يتمني ابتعاد العيد ضعف المسافات التي بينه وبين أهله، ثم وضح المتنبي أن لولا طلب العلا والمكانة المرموقة، ما كان هاجر أو ترك بلاده، وتابع المتنبي حديثه عن هجرانه مبينًا أنه فضل معانقة السيف عن معانقة الجواري الجميلة ذات البشرة البيضاء الناعمة المشابهة للسيف.

لَم يَترُكِ الدَهرُ مِن قَلبي وَلا كَبِدي

شَيءً تُتَيِّمُهُ عَينٌ وَلا جيدُ

وضح المتنبي أن أيام العشق والهوى قد انتهت وابتعد عنها بسبب المصائب المتتالية، وأنه يوجه اهتمامه وجهوده في إلى الجد وطلب العلى.

يا ساقِيَيَّ أَخَمرٌ في كُؤوسِكُما

أَم في كُؤوسِكُما هَمٌّ وَتَسهيدُ

هنا أظهر المتنبي أن الخمر لا يثير بداخله أي دوافع أو إثارة، بل يذكره بأحبته الذي تركهم ويشتاق إليهم.

أَصَخرَةٌ أَنا مالي لا تُحَرِّكُني

هَذي المُدامُ وَلا هَذي الأَغاريدُ

يتعجب المتنبي مستنكرًا سائلًا نفسه كيف لهذه الخمور ألا تؤثر به، هل الحزن الذي بداخله قام بتحويله إلى قطعة من الحجر لا تشعر.

إِذا أَرَدتُ كُمَيتَ اللَونِ صافِيَةً

وَجَدتُها وَحَبيبُ النَفسِ مَفقودُ

يستأنف المتنبي الحديث عن شعوره بالألم لفقدان الأحبة، وأنه إذا أراد الخبر لأتت إليه في الحال، عكس طلب رؤيته للمشتاق إليهم فهو طلب بعيد المنال.

ماذا لَقيتُ مِنَ الدُنيا وَأَعجَبُهُ

أَنّي بِما أَنا باكٍ مِنهُ مَحسودُ

عبر المتنبي عن شعوره بالصبابة والحزن أثناء خدمته في قصر كافور، وأنه لم يري إلا الألم، بالرغم من الحاسدين له عن عمله بالقصر.

أَمسَيتُ أَروَحَ مُثرٍ خازِناً وَيَداً

إِنّي الغَنِيُّ وَأَموالي المَواعيدُ

يرى المتنبي أن الغنى هو غنى النفس وليس غني الأموال، وأن الغني هو الذي ينام ويشعر بداخله براحة البال والسعادة والرضا ووجود الأحباب.

إِنّي ي نَزَلتُ بِكَذّابينَ ضَيفُهُمُ

عَنِ القِرى وَعَنِ التَرحالِ مَحدودُ

هنا يشعر المتنبي بالحزن والحسرة أثناء تواجده بمصر وعن إحاطة اشخاص من حوله يُسببون له المتابع، فلا يحسنون معاملته ولا يتركوه ليرحل.

جودُ الرِجالِ مِنَ الأَيدي وَجودُهُمُ

مِنَ اللِسانِ فَلا كانوا وَلا الجودُ

وضح أن هؤلاء القوم كرماء بوعودهم الكاذبة، في حين أن الرجل الشهم والحقيقي هو الرجل المعطاء، ثم قام بالدعاء بزوال الكرم المخادع.

اقرأ أيضًا: شعر عن حب الوطن للمتنبي

3- قصيدة “كفي بك داء”

واحدة من أجمل أشعار المتنبي في العتاب، يقوم فيها بعتابه لنفسه، حيث أرهقته مشاعره وأحاسيسه الجياشة، وأتعبه التفكير وألم قلبه، فجاء مُعاتبًا لنفسه ومن ثم تنتقل الأبيات إلى شعور الشاعر بالعزة والكرامة وشعوره بالقوة والوقوف على قدميه، يُعبر عن اتكائه على جروحه للنهوض مجددًا كناية عن صلابته، ثم انتقل المتنبي متذكرًا لأمجاده مستنكرًا المرحلة التي وصل إليها، ومن ثم انتقلت الأبيات إلى مرحلة أكثر إشراقًا وتفاؤل والعودة إلى قمة المجد قائلًا:

كفى بكَ داءً أنْ ترَى الموْتَ شافِيَا

  وَحَسْبُ المَنَايَا أنْ يكُنّ أمانِيَا

 تَمَنّيْتَهَا لمّا تَمَنّيْتَ أنْ تَرَي

 صَديقاً فأعْيَا أوْ عَدُواً مُداجِيَا

 إذا كنتَ تَرْضَى أنْ تَعيشَ بذِلّةٍ

  فَلا تَسْتَعِدّنّ الحُسامَ اليَمَانِيَا

 وَلا تَستَطيلَنّ الرّماحَ لِغَارَةٍ

  وَلا تَستَجيدَنّ العِتاقَ المَذاكِيَا

 فما يَنفَعُ الأُسْدَ الحَياءُ من الطَّوَى 

  وَلا تُتّقَى حتى تكونَ ضَوَارِيَا

 حَبَبْتُكَ قَلْبي قَبلَ حُبّكَ من نأى

 وَقد كانَ غَدّاراً فكُنْ أنتَ وَافِيَا

 وَأعْلَمُ أنّ البَينَ يُشكيكَ بَعْدَهُ 

  فَلَسْتَ فُؤادي إنْ رَأيْتُكَ شَاكِيَا

 فإنّ دُمُوعَ العَينِ غُدْرٌ بِرَبّهَا   

اقرأ أيضًا: أبيات شعر للمتنبي عن عزة النفس

4- قصيدة “ملومكما يجل عن الملام”

من قصائد المتنبي التي تندرج تحت أرقي اشعار المتنبي في العتاب، لطالما تميزت أشعار المتنبي في العتاب بالعزة وحفظ الكرامة، فوجه عتابه الراقي إلى أحبابه الذي يتسم بالعبارات القوية الملامسة للقلب والعقل وقال:

مَلومُكُما يَجِلُّ عَنِ المَلامِ

وَوَقعُ فَعالِهِ فَوقَ الكَلامِ

وجه المتنبي حديثه إلى أصدقائه التي تلومه عن المخاطرة بنفسه لطلب العلى، مبينًا لهم أنه لا يستحق اللوم لأن العمل الذي يقوم به لا يمكن وصف عظمته بالقول، موضحًا أن كلامهم قد جرح قلبه، حيث ذهب البعض أن الكلام بكسر الكاف تشير إلى الجرح.

ذَراني وَالفَلاةُ بِلا دَليلٍ

وَوَجهي وَالهَجيرَ بِلا لِثامِ

يطلب المتنبي من أصدقائه أن يتركوه مع الصحراء بلا دليل معه، وأن يُترك مع حرارة الظهيرة بلا لثام ليحمي وجهه.

فَإِنّي أَستَريحُ بِذي وَهَذا

وَأَتعَبُ بِالإِناخَةِ وَالمُقامِ

يستأنف المتنبي حديثه عن الصحراء والهجير فهو يحب التكلم عنهم ووصفهم ويشعر بالراحة حينها.

عُيونُ رَواحِلي إِن حُرتُ عَيني

وَكُلُّ بُغامِ رازِحَةٍ بُغامي

في هذه الأبيات يمدح المتنبي ناقته، ويقول إذا شعر أنه تاه ينظر إلى عيون ناقته فهي خير دليل له لتنوير طريقة، فتبين من الأبيات مدى حب المتنبي لناقته وتعلقه بها.

فَقَد أَرِدُ المِياهَ بِغَيرِ هادٍ

سِوى عَدّي لَها بَرقَ الغَمامِ

يشير المتنبي إلى عدم حاجته لورود الماء لتدله سوى أن يتبع برق الغمام، حيث كان قديمًا هناك عادة عند العرب، إذا لاح البرق قاموا بعد الغمام.

يُذِمُّ لِمُهجَتي رَبّي وَسَيفي

إِذا اِحتاجَ الوَحيدُ إِلى الذِمامِ

يوضح المتنبي أن من يحتاج إلى العهد فليتوكل على ذلك، فهو في ذمة الله وذمة سيفه.

وَلا أُمسي لِأَهلِ البُخلِ ضَيفاً

وَلَيسَ قِرىً سِوى مُخِّ النِعامِ

يصف المتنبي أنه لا يحب أن يكون ضيفًا بيوت البخلاء، حتى وإن كان لا يملك ليأكله سوي مخ النعام.

فَلَمّا صارَ وُدُّ الناسِ خِبّاً

جَزَيتُ عَلى اِبتِسامٍ بِاِبتِسامِ

يبدأ المتنبي قوله إنه يعامل الناس بما يراه منهم وبنفس معاملتهم، إذا تبسموا له تبسم لهم، وإذا غضب وجهم بوجهه قام بنفس الشيء.

وَصِرتُ أَشُكُّ فيمَن أَصطَفيهِ

لِعِلمي أَنَّهُ بَعضُ الأَنامِ

نتيجة خداع الناس وكذبهم شعر المتنبي بالحيرة والقلق عند اختياره بأشخاص يثق بهم، فلا يعرف كيف يضع الثقة فيمن حوله وهم بهذا الكم من النفاق.

يُحِبُّ العاقِلونَ عَلى التَصافي

وَحُبُّ الجاهِلينَ عَلى الوَسامِ

يصف المتنبي أن الشخص الحكيم هو الذي يحب لرجاحة العقل والود فيما بينه وبين الآخرين، بينما الإنسان الجاهل يحب المظاهر والأشياء الجميلة، مؤكدًا أن ليس كل الجمال يستحق الحب.

وَآنَفُ مِن أَخي لِأَبي وَأُمّي

إِذا ما لَم أَجِدهُ مِنَ الكِرامِ

يوضح أنه بإمكانه الابتعاد عن أخيه الذي من دمائه ومن أمه وأبيه إذا كان ليس أهل للثقة وغير كريم.

أَرى الأَجدادَ تَغلِبُها كَثيراً

عَلى الأَولادِ أَخلاقُ اللِئامِ

يعبر المتنبي عن استيائه بغُلبة الطباع اللئيمة وانتشارها، فقد يتحول الإنسان الكريم إلى اللئيم نتيجة شيوع الخبث والكذب.

وَلَستُ بِقانِعٍ مِن كُلِّ فَضلٍ

بِأَن أُعزى إِلى جَدٍّ هُمامِ

 عَجِبتُ لِمَن لَهُ قَدٌّ وَحَدٌّ

وَيَنبو نَبوَةَ القَضِمِ الكَهامِ

وَمَن يَجِدُ الطَريقَ إِلى المَعالي

 فلا يَذَرُ المَطِيَّ بِلا سَنامِ

وَلَم أَرَ في عُيوبِ الناسِ شَيئاً

 كَنَقصِ القادِرينَ عَلى التَمامِ

أَقَمتُ بِأَرضِ مِصرَ فَلا وَرائي

 تَخُبُّ بِيَ المَطِيُّ وَلا أَمامي

وَمَلَّنِيَ الفِراشُ وَكانَ جَنبي

 يَمَلُّ لِقاءَهُ في كُلِّ عامِ

قَليلٌ عائِدي سَقِمٌ فُؤادي

 كَثيرٌ حاسِدي صَعبٌ مَرامي

عَليلُ الجِسمِ مُمتَنِعُ القِيامِ

 شَديدُ السُكرِ مِن غَيرِ المُدامِ

وَزائِرَتي كَأَنَّ بِها حَياءً

 فَلَيسَ تَزورُ إِلّا في الظَلامِ

بَذَلتُ لَها المَطارِفَ وَالحَشايا

فَعافَتها وَباتَت في عِظامي

يَضيقُ الجِلدُ عَن نَفسي وَعَنها

 فَتوسِعُهُ بِأَنواعِ السِقامِ   

إِذا ما فارَقَتني غَسَّلَتني

 كَأَنّا عاكِفانِ عَلى حَرامِ

كَأَنَّ الصُبحَ يَطرُدُها فَتَجري

 مَدامِعُها بِأَربَعَةٍ سِجامِ

أُراقِبُ وَقتَها مِن غَيرِ شَوقٍ

 مُراقَبَةَ المَشوقِ المُستَهامِ

وَيَصدُقُ وَعدُها وَالصِدقُ شَرٌّ

 إِذا أَلقاكَ في الكُرَبِ العِظامِ

أَبِنتَ الدَهرِ عِندي كُلُّ بِنتٍ

 فَكَيفَ وَصَلتِ أَنتِ مِنَ الزِحامِ

جَرَحتِ مُجَرَّحاً لَم يَبقَ فيهِ

 مَكانٌ لِلسُيوفِ وَلا السِهامِ

أَلا يا لَيتَ شَعرَ يَدي أَتُمسي

تَصَرَّفُ في عِنانٍ أَو زِمامِ

وَهَل أَرمي هَوايَ بِراقِصاتٍ

 مُحَلّاةِ المَقاوِدِ بِاللُغامِ

فَرُبَّتَما شَفَيتُ غَليلَ صَدري

 بِسَيرٍ أَو قَناةٍ أَو حُسامِ

وَضاقَت خُطَّةٌ فَخَلَصتُ مِنها

 خَلاصَ الخَمرِ مِن نَسجِ الفِدامِ

وَفارَقتُ الحَبيبَ بِلا وَداعٍ

 وَوَدَّعتُ البِلادَ بِلا سَلامِ

يَقولُ لي الطَبيبُ أَكَلتَ شَيئاً

 وَداؤُكَ في شَرابِكَ وَالطَعامِ

وَما في طِبِّهِ أَنّي جَوادٌ

 أَضَرَّ بِجِسمِهِ طولُ الجِمامِ

تَعَوَّدَ أَن يُغَبِّرَ في السَرايا

 وَيَدخُلَ مِن قَتامِ في قَتامِ

فَأُمسِكَ لا يُطالُ لَهُ فَيَرعى

وَلا هُوَ في العَليقِ وَلا اللِجامِ

فَإِن أَمرَض فَما مَرِضَ اِصطِباري

 وَإِن أُحمَم فَما حُمَّ اِعتِزامي

وَإِن أَسلَم فَما أَبقى وَلَكِن

 سَلِمتُ مِنَ الحِمامِ إِلى الحِمامِ

تَمَتَّع مِن سُهادِ أَو رُقادٍ

 وَلا تَأمُل كَرىً تَحتَ الرِجامِ

فَإِنَّ لِثالِثِ الحالَينِ مَعنىً

سِوى مَعنى اِنتِباهِكَ وَالمَنامِ

كتب المتنبي هذه القصيدة حين أصابته الحمى بمصر، فبدأ بوصفها وعن رحيله عن مصر، وكُتبت القصيدة بشهر ذي الحجة عام 959 ميلاديًا، وجاءت القصيدة بحديث المتنبي عن شعوره بالحزن نتيجة خداع الناس من حوله وسوء معاملتهم مع بعضهم البعض، ثم وضح بالأبيات أن زمن الأجداد الشريف ليس بالضرورة أن تجعل منك رجل صالح، بل لابد أن يكون الإنسان شريف بأفعاله.

ويتعجب من عدم انتهاز فرصة الفرد في الوصول إلى مكانة مرموقة وعدم قطعه لهذا الطريق، ثم يتبين من الأبيات حزن المتنبي نتيجة طول مدة بقائه بالفراش والمرض، وأنه لا يحب المكوث كثيرًا بهذا الحال راغبًا بالسفر والترحال، كما تبين أن جميع هذه الظروف جعلت الأحزان تتراكم بقلبه وهو قليل الشكوى والبوح.

يصف المتنبي الحمى كأنها حبيبة تأتي له كل ما حل المساء، كناية عن استمرارية المرض، كما أنها استعارة مكنية صور بها المرض على أنه إنسان يزوره، واستأنف وصفه للحمي وقال إن جسده أصبح غير قادرًا على تحملها، وعبر المتنبي عن شوقه للسفر ورغبته في الشفاء.

أبو الطيب المتنبي من أعظم الشعراء العرب وأكثرهم تمكنًا في اللغة العربية، حيث تُعد أشعار المتنبي في العتاب وغيرها إلى يومنا هذا مصدر إلهام وحب وفخر للعرب أجمعين.

قد يعجبك أيضًا