قصيدة مدح في رجل كريم

تشير قصيدة مدح في رجل كريم إلى أهم صفة يجب أن تكون في أي رجل وفي أي إنسان بوجه عام، وذلك لأن صفة الكرم لا تقتصر فقط على الكرم أو العطاء والبذل المادي، بل هي تحمل بعدًا ومدى أعمق بكثير وتشمل صفات عدة، ولقد برع الشعراء في مدح الرجال الذين يتزينون بهذه الصفة الجميلة في العديد من القصائد التي سوف نعرض أفضلها من خلال هذا الموضوع عبر موقع جربها.

قصيدة مدح في رجل كريم

لقد تعددت الأغراض الشعرية في الشعر العربي وخاصةً فيما يخص الوصف والمدح والرثاء والهجاء، وإذا تتبعنا تاريخ الشعر في العالم العربي منذ أمد بعيد لوجدنا أن المدح بالذات يرجع إلى ما قبل العصر الجاهلي حتى في المنطقة العربية، والمدح يشمل مدح الذات ومدح الصديق أو القبيلة أو الأهل أو الوطن أو المحبوبة وغيرها.

تندرج قصيدة مدح في رجل كريم تحت بند المدح في الشعر العربي بوجه عام، ولقد كتب كل الشعراء العرب تقريبًا في هذا الغرض ومن بينهم:

1- ابن الرومي

هو أبو الحسن علي بن العباس بن جريج وقيل جورجيس وهو واحد من أشهر شعراء العصر العباسي خلال القرن الثالث الهجري، وكان من نفس طبقة أبرز شعراء نفس العصر مثل أبو الطيب المتنبي وبشار، ولكن أهم ما كان يتميز به ابن الرومي هو أن حياته شهدت العديد من المآسي التي تظهر وبوضوح في أشعاره.

قال عنه عميد الأدب العربي الراحل طه حسين “نحن نعلم أنه كان سيئ الحظ في حياته، ولم يكن محبباً إلى الناس، وإنما كان مبغضاً إليهم، وكان مُحسدًا أيضاً، ولم يكن أمره مقصوراً على سوء حظه، بل ربما كان سوء طبيعته، فقد كان حاد المزاج، مضطرب، معتل الطبع، ضعيف الأعصاب، حاد الحس جداً، يكاد يبلغ من ذلك الإسراف”

تقريبًا لم يترك ابن الرومي واحدًا من أغراض الشعر إلا وكتب فيها بأقوى الألفاظ وأبرع أسلوب له، فنجده كتب في الحب والهجر والمدح والهجاء والرثاء والفخر، وكتب قصيدة مدح في رجل كريم بالرغم من قصرها إلا أنها غاية في الجمال والبساطة.
“ليس الكريم الذي يعطي عطيتَهُ … على الثناء وإن أغلى به الثمنا

بل الكريم الذي يعطي عطيته … لغير شيء سوى استحسانه الحسنا

لا يستثيب ببذلِ العُرْفِ محْمدةً … ولا يَمُنُّ إذا ما قَلَّد المِننا

حتى لتحسب أن الله أجبَرَهُ … على السماحِ ولم يَخْلُقْهُ مُمْتَحَنا”
اقرأ أيضًا: ابيات شعر مدح وفخر قصيره

2- الفرزدق وقصيدته في مدح رجل كريم

هو همام بن غالب بن صعصعة الدارمي التميمي ويكنى بأبي فراس أما عن لقب الفرزدق فلقد أطلق عليه لضخامة وجهه وتجهمه ليس إلا، وهو من أشهر وأعظم شعراء العصر الأموي وكان ينتمي إلى أهل البصرة، ولقد كتب الفرزدق مئات القصائد التي لا تزال باقية حتى الآن ولولا وجودها ما كانت اللغة العربية محفوظة بالكامل، وتزخر وتفخر بها مكتبة الشعر العربي حتى وقتنا الراهن.

كما يعد الفرزدق كثير التشبيه بالشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى، وذلك لأن زهير كان من شعراء الدرجة الأولى لدى الجاهليين، أما الفرزدق فهو من شعراء الدرجة الأولى لدى الإسلاميين، ولقد تعددت الأغراض الشعر التي كتب فيها الفرزدق ومن بينها قصيدة مدح في رجل كريم، وكانت أبياتها:
“يَا سَـائِلِي‌ أَيْنَ حَـلَّ الجُـودُ وَالكَـرَمُعِنْـدِي‌ بَـيَـانٌ إذَا طُـلاَّبُـهُ قَـدِمُـوا

هَذَا الذي‌ تَعْـرِفُ البَطْـحَاءُ وَطْـأَتَـهُوَالبَـيْـتُ يَعْـرِفُـهُ وَالحِـلُّ وَالحَـرَمُ

هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللَهِ كُلِّهِمُهَذَا التَّقِي‌ُّ النَّقِي‌ُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ

هَذَا الذي‌ أحْمَدُ المُخْتَارُ وَالِدُهُصَلَّي‌ عَلَیهِ إلَهِي‌ مَا جَرَي‌ القَلَمُ

لَوْ يَعْلَمُ الرُّكْنُ مَنْ قَدْ جَاءَ يَلْثِمُهُلَخَرَّ يَلْثِمُ مِنْهُ مَا وَطَي‌ القَدَمُ

هَذَا علی رَسُولُ اللَهِ وَالِدُهُأَمْسَتْ بِنُورِ هُدَاهُ تَهْتَدِي‌ الاُمَمُ

هَذَا الَّذِي‌ عَمُّهُ الطَّيَّارُ جَعْفَرٌوَالمَقْتُولُ حَمْزَةُ لَيْثٌ حُبُّهُ قَسَمُ

هَذَا ابْنُ سَيِّدَةِ النِّسْوَانِ فَاطِمَةٍوَابْنُ الوَصِيِّ الَّذِي‌ في‌ سَيْفِهِ نِقَمُ

إذَا رَأتْهُ قُرَيْشٌ قَالَ قَائِلُهَاإلَی‌ مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَهِي‌ الكَرَمُ

يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانَ راحتهرُكْنُ الحَطِيمِ إذَا مَا جَاءَ يَسْتَلِمُ

وَلَيْسَ قُولُكَ: مَنْ هَذَا؟ بِضَائِرِهِالعُرْبُ تَعْرِفُ مَنْ أنْكَرْتَ وَالعَجَمُ

يُنْمَي‌ إلَی‌ ذَرْوَةِ العِزِّ الَّتِي‌ قَصُرَتْعَنْ نَيْلِهَا عَرَبُ الإسْلاَمِ وَالعَجَمُ

يُغْضِي‌ حَيَاءً وَيُغْضَي‌ مِنْ مَهَابَتِهِفَمَا يُكَلَّمُ إلاَّ حِينَ يَبْتَسِمُ

يَنْجَابُ نُورُ الدُّجَي‌ عَنْ نُورِ غُرِّتِهِكَالشَّمْسِ يَنْجَابُ عَنْ إشْرَاقِهَا الظُّلَمُ

بِكَفِّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌمِنْ كَفِّ أَرْوَعَ فِي‌ عِرْنِينِهِ شَمَمُ

مَا قَالَ: لاَ قَطُّ، إلاَّ فِي‌ تَشَهُّدِهِلَوْلاَ التَّشَهُّدُ كَانَتْ لاَؤهُ نَعَمُ

مُشتَقَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَهِ نَبْعَتُهُطَابَتْ عَنَاصِرُهُ وَالخِيمُ وَالشِّيَمُ

حَمَّالُ أثْقَالِ أَقْوَامٍ إذَا فُدِحُواحُلْوُ الشَّمَائِلِ تَحْلُو عِنْدَهُ نَعَمُ

إنْ قَالَ قَالَ بمِا يَهْوَي‌ جَمِيعُهُمُوَإنْ تَكَلَّمَ يَوْماً زَانَهُ الكَلِمُ

هَذَا ابْنُ فَاطِمَةٍ إنْ كُنْتَ جَاهِلَهُبِجَدِّهِ أنبِيَاءُ اللَهِ قَدْ خُتِمُوا

اللهُ فَضَّلَهُ قِدْماً وَشَرَّفَهُجَرَي‌ بِذَاكَ لَهُ فِي‌ لَوْحِهِ القَلَمُ

مَنْ جَدُّهُ دَانَ فَضْلُ الآنْبِيَاءِ لَهُوَفَضْلُ أُمَّتِهِ دَانَتْ لَهَا الاُمَمُ

عَمَّ البَرِيَّةَ بِالإحْسَانِ وَانْقَشَعَتْعَنْهَا العِمَأيَةُ وَالإمْلاَقُ وَالظُّلَمُ

كِلْتَا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفْعُهُمَايُسْتَوْكَفَانِ وَلاَ يَعْرُوهُمَا عَدَمُ

سَهْلُ الخَلِيقَةِ لاَ تُخْشَي‌ بَوَادِرُهُيَزِينُهُ خَصْلَتَانِ: الحِلْمُ وَالكَرَمُ

لاَ يُخْلِفُ الوَعْدَ مَيْمُوناً نَقِيبَتُهُرَحْبُ الفِنَاءِ أَرِيبٌ حِينَ يُعْتَرَمُ

مِنْ مَعْشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ وَبُغْضُهُمُكُفْرٌ وَقُرْبُهُمُ مَنْجيً وَمُعْتَصَمُ

يُسْتَدْفَعُ السُّوءُ وَالبَلْوَي‌ بِحُبِّهِمُوَيُسْتَزَادُ بِهِ الإحْسَانُ وَالنِّعَمُ

مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْرِ اللَهِ ذِكْرُهُمْفِي‌ كُلِّ فَرْضٍ وَمَخْتُومٌ بِهِ الكَلِمُ

إنْ عُدَّ أهْلُ التُّقَي‌ كَانُوا أئمَّتَهُمْأوْ قِيلَ: مَنْ خَيْرُ أَهْلِ الارْضِ قِيلَ: هُمُ

لاَ يَسْتَطِيعُ جَوَادٌ بُعْدَ غَأيَتِهِمْوَلاَ يُدَانِيهِمُ قَوْمٌ وَإنْ كَرُمُوا

هُمُ الغُيُوثُ إذَا مَا أزْمَةٌ أزَمَتْوَالاُسْدُ أُسْدُ الشَّرَي‌ وَالبَأْسُ مُحْتَدِمُ

يَأبَي‌ لَهُمْ أَنْ يَحِلَّ الذَّمُّ سَاحَتَهُمْخِيمٌ كَرِيمٌ وَأيْدٍ بِالنَّدَي‌ هُضُمُ

لاَ يَقْبِضُ العُسْرُ بَسْطاً مِنْ أكُفِّهِمُسِيَّانِ ذَلِكَ إنْ أثْرَوْا وَإنْ عَدِمُوا

أيٌّ القَبَائِلِ لَيْسَتْ فِي‌ رَقَابِهِمُلاِوَّلِيَّةِ هَذَا أوْ لَهُ نِعَمُ

مَنْ يَعْرِفِ اللَهَ يَعْرِفْ أوَّلِيَّةَ ذَافَالدِّينُ مِنْ بَيْتِ هَذَا نَالَهُ الاُمَمُ

بُيُوتُهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ يُسْتَضَاءُ بِهَافِي‌ النَّائِبَاتِ وَعِنْدَ الحُكْمِ إنْ حَكَمُوا

فَجَدُّهُ مِنْ قُرَيْشٍ فِي‌ أُرُومَتِهَامُحَمَّدٌ وَعليّ بَعْدَهُ عَلَمُ

بَدرٌ له‌ شَاهِدٌ وَالشِّعْبُ مِنْ أُحُدٍوالخَنْدَقَانِ وَيَومُ الفَتْحِ قَدْ عَلِمُوا

وَخَيْبَرٌ وَحُنَيْنٌ يَشْهَدَانِ لَهُوَفِي‌ قُرَيْضَةَ يَوْمٌ صَيْلَمٌ قَتَمُ

مَوَاطِنٌ قَدْ عَلَتْ فِي‌ كُلِّ نائِبَةٍعلی‌ الصَّحَابَةِ لَمْ أَكْتُمْ كَمَا كَتَمُو”
اقرأ أيضًا: كلام عن الصديق الوفي

3- محمود سامي البارودي

محمود سامي حسن حسين عبد الله البارودي الذي يعد هو رائد الشعر العربي في العصر الحديث، وكان البارودي ابن لأبوين مصريين ولكن من أصل شركسي وكان ينتمي إلى عائلة عريقة لها تاريخ وفروع قديمة، فكان والداه من نسل المقام السيفي نوروز الأتابكي شقيق برسباي، أما أجداده فكانوا من ملتزمي إقطاعية إيتاي البارود التي توجد حاليًا في محافظة البحيرة.

تعلم محمود سامي اللغة العربية والقرآن الكريم منذ صغره ونشأ نشأة دينية كريمة، وحينما كبر التحق بالخدمة العسكرية ثم تدرج في الترقيات حتى أصبح فيما بعد رئيس وزراء مصر وتأثر كثيرًا بالنهضة الأوروبية خلال العصر الحديث، ولقد سار دربًا طويلًا في النضال الوطني لتحرير مصر من سيطرة الاحتلال البريطاني فكان من أبناء مصر الأوفياء.

كتب البارودي في العديد من الأغراض الشعرية ولكن من أكثرها الشعر الوطني النضالي الذي ينادي بالتحرر من الاستعمار، ونجد أنه حين كتب قصيدة مدح في رجل كريم أشار إلى الوطنية وشيم الوطنيين وأخلاقهم.
“كَرَمُ الطَّبْعِ شِيمَةُ الأَمْجَادِ … وَجَفَاءُ الأَخْلاقِ شَأْنُ الْجَمَاد

لَنْ يَسُودَ الْفَتَى ولَوْ مَلَكَ الْحِكْمَةَ … مَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الأَجْوَادِ

وَلَعَمْرِي لَرِقَّةُ الطَّبْعِ أَوْلَى … مِنْ عِنادٍ يَجُرُّ حَرْبَ الْفَسَادِ

قَدْ يَنَالُ الْحَلِيمُ بِالرِّفْقِ مَا لَيْ … سَ يَنَالُ الْكَمِيُّ يَوْمَ الْجِلادِ

فاقْرُنِ الْحِلْمَ بِالسَّماحَةِ تَبْلُغْ … كُلَّ مَا رُمْتَ نَيْلَهُ مِنْ مُرَادِ

وَضَعِ الْبِرَّ حَيْثُ يَزْكُو لِتَجْنِي … ثَمَرَ الشُّكْرِ مِنْ غِرَاسِ الأَيَادِي

وَاحْذَرِ النَّاسَ مَا اسْتَطَعْتَ فَإِنَّ الن … نَاسَ أَحْلاسُ خُدْعَةٍ وتَعَادِي

رُبَّ خِلٍّ تَرَاهُ طَلْقَ الْمُحَيَّا … وَهْوَ جَهْمُ الضَّمِيرِ بِالأَحْقَادِ

فَتَأَمَّلْ مَواقِعَ اللَّحْظِ تَعْلَمْ … مَا طَوَتْهُ صَحَائِفُ الأَكْبَادِ

إِنَّ فِي الْعَيْنِ وَهْوَ عُضْوٌ صَغِيرٌ … لَدَلِيلاً عَلَى خَبَايَا الْفُؤَادِ

وَأُناس صَحِبْتُ مِنْهُمْ ذِئَاباً … تَحْتَ أَثْوَابِ أُلْفَةٍ وَوِدَادِ

يَتَمَنَّوْنَ لِي الْعِثَارَ ويَلْقَوْنِي … بِوَجْهٍ إِلَى الْمَوَدَّةِ صَادِي

سَابَقُونِي فَقَصَّرُوا عَنْ لَحَاقِي … إِنَّما السَّبْقُ مِنْ خِصَالِ الْجَوَادِ

أَنَا مَا بَيْنَ نِعْمَةٍ وحَسُودٍ … والْمَعَالِي كَثِيرَةُ الْحُسَّادِ

فَلْيَمُوتُوا بِغَيْظِهِمْ فاحْتِمَالُ الْ … غَيْظِ موْتٌ لَهُمْ بِلا مِيعَادِ

كَيْفَ تَبْيَضُّ مِنْ أُنَاسٍ وُجُوهٌ … صَبَغَ اللُّؤْمُ عِرْضَهُمْ بِسَوَادِ

أَظْهَرُوا زُخْرُفَ الْخِدَاعِ وأَخْفَوْا … ذَاتَ نَفْسٍ كَالْجَمْرِ تَحْتَ الرَّمَادِ

فَتَرَى الْمَرءَ مِنْهُمُ ضَاحِكَ السِّن … نِ وَفِي ثَوْبِهِ دِماءُ الْعِبَادِ

مَعْشَرٌ لا وَلِيدُهُمُ طَاهِرُ الْمَهْ … دِ وَلا كَهْلُهُمْ عَفِيفُ الْوِسِادِ

حَكَمُوا مِصْرَ وَهْيَ حَاضِرَةُ الدُّنْ … يَا فَأَمْسَتْ وَقَدْ خَلَتْ فِي الْبَوَادِي

أًصْبَحَتْ مَنْزِلَ الشَّقَاءِ وَكَانَتْ … جَنَّةً لَيْسَ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ

وَقَعُوا بَيْنَ رِيفِهَا وَقُرَاهَا … بِضُرُوبِ الْفَسَادِ وَقْعَ الجَرَادِ

في زَمَانٍ قَدْ كَانَ لِلظُّلْمِ فِيهِ … أَثَرُ النَّارِ فِي هَشِيمِ الْقَتَادِ

حِينَ لَمْ يُرْحَمِ الْكَبِيرُ وَلَمْ يُعْطَفْ … عَلَى الأُمَّهَاتِ والأَوْلادِ

تَحْتَ رِجْزٍ مِنَ الْعَذَابِ مُهِينٍ … وَمُبيرٍ مِنَ الأَذَى رَعَّادِ

تِلْكَ آثارُهُمْ تَدُلُّ عَلَى مَا … كَانَ مِنْهُمُ مِنْ جَفْوَةٍ وَتَبَادِي
اقرأ أيضًا: شعر بدوي عن الرجولة

 إيليا أبو ماضي

إيليا أبو ماضي شاعر لبناني ينتمي إلى رابطة القلم من فئة شعراء المهجر التي غادرت أوطانها خلال أوائل القرن العشرين إلى أوروبا والأمريكتين هربًا من الواقع العربي الأليم الخاضع للاستعمار الأوروبي آنذاك، وكان إيليا ينتمي إلى أسرة رقيقة الحال جدًا فلم يتمكن من تلقي الدراسة الكاملة في قريته وتلقى فيها فقط الدروس الابتدائية البسيطة في مدرسة المحيدثة الكامنة بجوار الكنيسة.

حينما بلغ الفقر أشده في لبنان قرر إيليا أبو ماضي أن يرحل من لبنان تمامًا قاصدًا عمه الذي كان يعمل في تجارة التبغ، وحينما وصل إلى هناك وقضى فترة لا بأس بها التقى بأنطون الجميل، الذي كان قد أسس إلى جانب أمين تقي الدين مجلة الزهور، حيث أعجبه ولفت انتباهه جدًا ما يتمتع به إيليا من ذكاء وعصامية ودعاه للعمل ككاتب في المجلة.

نشر إيليا في المجلة أول قصائده الشعرية التي أعجبت العرب هناك كثيرًا وترددت أصدائها إلى العالم العربي وتوالى في نشر أعماله الشعرية في المجلة، إلى أن جمع ما كتبه من أشعار في ديوان واحد أطلق عليه اسم تذكار الماضي الذي أطلقه خلال عام ألف وتسعمائة وأحد عشر، وكانت من بين قصائد هذا الديوان قصيدة مدح في رجل كريم.
“قالوا أَلا تَصِفُ الكَريمَ لَنا فَقُلتُ عَلى البَديه

إِنَّ الكَريمَ لَكَالرَبيعِ تُحِبُّهُ لِلحُسنِ فيه

وَتَهَشُّ عِندَ لِقائِهِ وَيَغيبُ عَنكَ فَتَشتَهيه

لا يَرتَضي أَبَداً لِصاحِبِهِ الَّذي لا يَرتَضيه

وَإِذا اللَيالي ساعَفَتهُ لا يُدِلُّ وَلا يَتيه

وَتَراهُ يَبسُمُ هازِئً في غَمرَةِ الخَطبِ الكَريه

وَإِذا تَحَرَّقَ حاسِدوهُ بَكى وَرَقَّ لِحاسِديه

كَالوَردِ يَنفَحُ بِالشَذى حَتّى أُنوفَ السارِقيه”
اقرأ أيضًا: أجمل ما قيل عن القمر

ترمي كل قصيدة مدح في رجل كريم إلى لفت الانتباه لهذه الصفة الجليلة، التي مع الأسف باتت في وقتنا الحالي نادرة الوجود نظرًا لانتشار الفساد والعولمة والتردي الأخلاقي وسيادة الأفكار المادية واتباع مبدأ أن الغاية تبرر الوسيلة، حتى غاب الضمير والوازع الديني والأخلاق الكريمة القويمة السمحة.

قد يعجبك أيضًا